الثلاثاء، 31 مايو 2011

في الرد على الأسواني ،،، عن الخلافة الإسلامية


في الرد على الأسواني ،،، عن الخلافة الإسلامية

كتب الدكتور علاء الأسواني اليوم مقالاً في جريدة المصري اليوم تحت عنوان (هل نحارب طواحين الهواء..؟!) تحدث فيه عن الخلافة الإسلامية وتاريخها وحلم استعادتها الذي يحلم به كثير من المسلمين، ولقد أحسست بالرغبة في التعليق على المقال ببضع ملاحظات، ولكي تكون الملاحظات ذات مدلول لمن يقرأها ، أرجو الرجوع لأصل المقال:


وأغلب ما ورد في المقال من أحداث حقائق تاريخية ، ولكنني قبل أن أعلق على الاستنتاج الذي وصل إليه الأسواني وهو مناط الخلاف هنا ، أرغب في تعليقين جزئيين عن توصيفين للدكتور علاء بخصوص بعض الأحداث التاريخية:

 "خلال الـ٣١ عاما الأفضل حدثت مخالفات من الخليفة عثمان بن عفان، الذى لم يعدل بين المسلمين وآثر أقاربه بالمناصب والعطايا، فثار عليه الناس وقتلوه"

أعتقد أن الدكتور علاء هنا قد خانته دقة التوصيف و حكم على الأحداث التاريخية بمنظور عصره ليصل إلى استنتاجه (الذى لم يعدل بين المسلمين وآثر أقاربه بالمناصب والعطايا) وهو أمر فيه ظلم كبير لعثمان رضي الله عنه ويحتاج لمراجعة مدققة من الدكتور متوخياً الحكم على حكم عثمان بتقدير لمعطيات ومعايير ذلك العصر. وهو ما لن أتوسع فيه ها هنا فمكانه دراسة تاريخية متأنية.

" ثم أقام معاوية بن سفيان حكما استبداديا دمويا أخذ فيه البيعة من الناس كرهاً لابنه يزيد من بعده ليقضى إلى الأبد على حق المسلمين فى اختيار من يحكمهم "

وهنا أعلق فقط بتوضيح أن وصف حكم معاوية بأنه "دموي" فيه افتئات على رجل اشتهر بالدهاء السياسي و الحلم ، كان معاوية مستبداً لكنه كان يحقق مآربه بسعة الحيلة لا بسفك الدماء ولقد ساد السلام خلافته منذ ان صحت بيعته بالصلح مع الحسن بن علي رضي الله عنهم أجمعين.

أما مناط الاختلاف فالاستنتاجات التي خلص بها الأسواني والتي سأسردها وأرد عليها

" إن التاريخ الرهيب للصراع السياسى فى الدولة الإسلامية منشور ومعروف وهو أبعد ما يكون عن شريعة الإسلام الحقيقية، وقد احترت فى هذه الدعوة الغريبة إلى استعادة الخلافة الإسلامية فوجدت من يتحمسون لها نوعين من الناس: بعض المسلمين الذين لم يقرأوا التاريخ الإسلامى من أساسه، أو أنهم قرأوه وتهربوا من رؤية الحقيقة، لأن عواطفهم الدينية قد غلبت عليهم فأصبحوا بالإضافة إلى تقديس الإسلام يقدسون التاريخ الإسلامى نفسه، ويحاولون إعادة تخيله بما ليس فيه. أما الفريق الآخر من المنادين بالخلافة فهم أعضاء جماعات الإسلام السياسى الذين يلعبون على عواطف البسطاء الدينية من أجل أن يصلوا إلى السلطة بأى طريقة.."

أول ملاحظة لي هنا هو هذا الحصر العجيب لمن يتحمسون للخلافة الإسلامية ، فهم إما عاميٌ (جاهل – غير موضوعي على أحسن تقدير) أو سياسي يسعى لأن يصل إلى السلطة بأي طريقة، لأنني وبما أنني أعد ممن يتحمسون للخلافة لاأجد نفسي في أحد الفريقين، فأعتقد أنني قد قرأت ما يكفي من تاريخ الدولة الإسلامية ولم أكن يوماً سياسياً طامحاً للسلطة. وفي ردي على استنتاجات الدكتور علاء المبررات الموضوعية لذلك.

" أما بقية تاريخ الحكم الإسلامى فلا وجود فيه لمبادئ أو مُثُل نبيلة، وإنما هو صراع دموى على السلطة يستباح فيه كل شىء، حتى ولو ضربت الكعبة وتهدمت أركانها.. هذه الحقيقة شئنا أم أبينا. أما السعى لإنتاج تاريخ خيالى للخلافة الإسلامية الرشيدة فلن يخرج عن كونه محاولة لتأليف صور ذهنية قد تكون جميلة لكنها للأسف غير حقيقية"

ينطلق الأسواني هنا من فرضية أن "دولة الخلافة" هي دولة استبدادية بطبعها وأنه بما أن معظم تاريخ المسلمين كان تاريخاً ديكتاتورياً استبدادياً فإن الخلافة الإسلامية مرادفها الطبيعي هو الاستبداد السياسي.

والحقيقة أن الرد على الدكتور الأسواني هنا سيكون عبر تسليط الضوء على أطروحة سلفية بامتياز ، وهي أن المتقدمين أكثر فهماً لمقاصد الدين من المتأخرين وعليه فإن الدول التي حكمها الصحابة كانت هي الأكثر اتفاقاً مع مبادئ الدين الإسلامي إذا ما قورنت بتلك التي حكمها سواهم من ملوك المسلمين، و عليه فنموذج الدولة الإسلامية الأمثل الذي يتطلع له كل مسلم هو نموذج دولة "الخلفاء الراشدين" الديمقراطية باعتراف الدكتور علاء نفسه.

وهنا لا بد أن أشير لأن مصطلح (الخلفاء الراشدين) ليس بدعة من الدكتور علاء ولا من العبد لله ، ولكنه الذي استقر في عموم أدبيات المسلمين عند وصف دولة الصحابة وهو ما يبين دون لبس تقدير المسلمين وتقديمهم لدولة الإسلام (الديمقراطية) على ما سواها من الدول.

والدكتور علاء إذ يتحدث لنا اليوم عن الخلافة بصفتها بديلاً مستبداً عن الديمقراطية يتناسى حقيقة تاريخية مهمة وهي أن دولة الخلافة (المستبدة) حين انهارت وسقطت لم تخلف بعدها دولة ديمقراطية ولكنها خلفت دولاً مقسمة مستبدةً ضعيفة متخلفة

ولذلك فإن كل مسلم حين كان يحلم بالخلافة فهو لم يكن يحلم بالاستبداد بديلاً عن الديمقراطية ( لأن الاستبداد استمر استبداداً) ولكنه كان يحلم بالوحدة بديلاً عن الفرقة و القوة بديلاً عن الضعف والتقدم بديلاً عن التخلف والنجاح بديلاً عن الفشل. ولم يجادل الدكتور علاء في قوة وتقدم ونجاح الحضارة الإسلامية كثيراً والحمد لله.

حسناً ، ماذا إن وضعنا أمام هذا الاختيار ، أي بين الوحدة والديمقراطية ؟ أي ماذا إن وفقنا الله في مصر وفي تونس لأن نبني النظام الديمقراطي الحر الذي نحلم به جميعاً (يا رب) ؟ هل نضحي بهذه الديمقراطية في مقابل وحدة ما مع نظام مستبد كالسعودي أو الليبي أو المغربي؟

الحقيقة أن السؤال فاسد من أساسه ، لأنه لا توحد دون ديمقراطية، و إنما كان التفرق والتشرذم نتيجة طبيعية للاستبداد والقهر والظلم، ولا يمكن للعبيد أن يتوحدوا إلا عندما يثوروا ليصبحوا أحراراً، وعليه فإن نجحنا (وبإذن الله سنفعل)  وبنينا نظامنا الديمقراطي الحر فإن توجهنا للوحدة العربية أو الإسلامية لا يمكن إلا أن يكون مع شعوب ديمقراطية لديها نفس التوجه والإرادة الحرة نحو التوحد، أي أن تركيا ساعتها ستكون أقرب للتوحد معنا عن دولة  مثل السعودية أو ليبيا (ربنا ياخدك يا قذافي الزفت في ستين زنجة خليها بقى من هنا لتونس حرية)

ادعوا معي لانتصار كل الثورات العربية، واعلموا أنهم جميعاً ينتظروننا لنقدم لهم النموذج.

هذا، و على الله قصد السبيل.

عبدالرحمن عبدالودود ، مدينة الشيخ زايد، ٣١ مايو، عام الثورة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق