الأحد، 21 أكتوبر 2012

ملاحظات العبد الفقير إلى الله على باب نظام الحكم في المسودة الأولى لمشروع الدستور المصري




أكتب ملاحظاتي على مسودة مشروع الدستور المنشورة حتى الآن من الجمعية التأسيسية التي أصبحت معارضتها هواية المتردية والنطيحة فضلا عن الرويبضه ممن لم يقدموا إلينا اعتراضاً واحداً متماسكاً على تفاصيل المواد بالمسودة غير اعتراضاتهم الدائمة عند كل موضع يذكر فيه اسم الله أو تذكر شريعته.

وهو أمر يجعل انتقاد المنتج الخارج من الجمعية صعب حقاً، لأنني أجد صعوبة جمة في الاصطفاف بجوار قوم لا يريدون لها سوى الهدم والفشل ويحاربون وجودها بالاساس من حيث طريقة التكوين التي اختارها الشعب والتي قدم فيها خصومهم عليهم. ولذلك يستطيع أي متابع مدقق أن يرى أن أكثر ما يخشاه هؤلاء هو أن تنتج هذه الجمعية منتجاً دستورياً محكماً وليس العكس.

ولن أتطرق في ملاحظاتي لأي مما يتعلق بالشريعة في الدستور لأن موقفي منها واضح تماماً. يجب أن يتحاكم الدستور كله بكل نصوصه ومواده، حقوقه وحرياته وأنظمته إلى شريعة الله تامة غير منقوصة، مبادئها ومقاصدها وأحكامها كما أنزلها ربنا في القرآن والسنة. والمراء في ذلك يقف عنده الحد الفاصل بين الإسلام والكفر، بين الإيمان والنفاق, بين التوحيد والشرك.

إنما سأحاول أن أجاري صديقي تامر زايد في دفعه أن الصراع سياسي وليس دينياً  فأركز ملاحظاتي على الباب المعني بالسياسة في الدستور والذي سيؤسس لشكل النظام السياسي في المستقبل.

وسأعنون ملاحظاتي في نقاط محددة وهي: شروط انتخاب الرئيس، بعض صلاحيات الرئيس، مدد مجلسي البرلمان، صلاحيات مجلس الشيوخ , مواد الأمن والدفاع, و التوازن بين الرئيس والبرلمان مع ما يمنع الشلل السياسي

وقبل أن ألج إلى الموضوع لا بد لي أولا أن أعلق على الشكل المرتبك والغير المتماسك الذي بدى عليه مشروع الدستور في المسودة والذي يوحي أن لجان الجمعية التأسيسية تعمل كجزر منعزلة عن بعضها البعض حتى أن بعض المواد تشير في نصوصها لأرقام مواد داخل الأبواب عوضاً عن ترقيمها العام في الدستور.

وغني عن  الذكر طبعاً أن على من يقرأ هذه المدونة أن يكون قد قرأ مسودة مشروع الدستور قبلاً أو على الأقل يحتفظ بها ليرجع لأصول المواد

أولاً: شروط انتخاب رئيس الجمهورية

عدلت الجمعية شروط الترشح لرئاسة الجمهورية (المواد 136 و 137) لتخففها في جانبين أرى في أحدهما خطراً وفي الآخر تيسير لا داعي له.

أما الخطر: فهو التنازل عن اشتراط أن لا يكون رئيس الجمهورية قد حمل جنسية غير الجنسية المصرية! فأنا لا أستطيع أبداً قبول أن يكون الرجل الذي يعين الموظفين العسكريين والديبلوماسيين وأجهزة المخابرات ويقودهم لحماية المصالح والأراضي المصرية يمكن أن يكون قد أقسم يمين الولاء لدولة أجنبية!

وقد كانت هناك قناعة لدى قطاع من الناس (لست منه) أن اشتراطات نقاء جنسية الرئيس في تعديلات مارس 2011 كانت متشددة ومبالغ فيها خاصة ما يتعلق منها بنقاء جنسية الوالدين, وهو أمر قد أتفهم أن يتم اعتباره وازالته في مشروع الدستور الجديد دون أن يتعدى ذلك إلى نقاء جنسية الرئيس نفسه.

أما التيسير الذي بلا داع فهو التساهل في شروط الترشح لرئاسة الجمهورية من حيث أعداد التوكيلات المطلوبة من النواب أو المواطنين وعدد المحافظات المطلوب استيفاء التوكيلات منها.

وسبب أنه بلا داع أن التجربة العملية أثبتت أن أي مرشح جاد يسعى للترشح لم يجد صعوبة في تحقيق الشروط السابقة (كل المرشحين السبعة الأوائل في نتيجة الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة الماضية ، عدى مرسي الذي كان مرشحا حزبياً نجحوا في استيفاء توكيلاتهم كمسوغ للترشح) بل ان مرشحين غير جادين مثل (محمود حسام) نجحوا في الترشح أيضاً. بالاضافة لثلاثة مرشحين آخرين على الأقل نجحوا في استيفاء شروط التوكيلات واستبعدوا لأسباب أخرى قبل التصويت.

ثانياً: بعض صلاحيات الرئيس

بدى واضحا أن الفلسفة التي يقوم عليها هذا المشروع تقوم على أن يختص رئيس الجمهورية بشؤون الدفاع والأمن القومي والسياسة الخارجية فيما يحظى رئيس الوزراء بباقي صلاحيات ادارة الدولة.

وتحصر المادة 149 صلاحيات الرئيس في التعيين والعزل في تعيين الموظفين العسكريين والممثلين الديبلوماسيين دون الموظفين المدنيين الذي نصت المادة 164 على اختصاص رئيس الوزراء بتعيينهم.
ويثير هذا لدي بعض من التساؤلات، هل يعني ذلك أن قرارات تعيين أعضاء الهيئات القضائية ستصدر من رئيس الحكومة عوضاً عن رئيس الجمهورية؟!

وهل سيختص رئيس الوزراء بشؤون الأمن الداخلي للبلاد دوناً عن الرئيس نظراً لأن الدستور ينص على أن الشرطة هيئة مدنية؟!
وماذا عن موقف أجهزة مثل المخابرات العامة يفترض أن أفرادها مدنيون في حين يقع نطاق عملها في صلب الدفاع والسياسة الخارجية؟ هل سيعين أفرادها أيضاً رئيس الحكومة؟

ومن ناحية أخرى أرى أن إعطاء الرئيس حق تعيين ربع أعضاء مجلس الشيوخ من شأنه أن يغير تركيبة المجلس السياسية وفيه خطر كبير خاصة مع الاتجاه لتوسيع صلاحيات هذه الغرفة من البرلمان وأرى (إن كان للتعيين ضرورة) أن لا يزيد عدد المعينين في المجلس بأي حال عن 25 عضواً معيناً. وكلما قل العدد كلما كان ذلك أفضل

ثالثاً: مدد مجلسي البرلمان

ينص مشروع الدستور على أن مدة رئيس الجمهورية أربعة سنوات ومدة مجلس النواب خمس سنوات ومدة مجلس الشيوخ ست سنوات ويجدد الأخير نصفيا كل ثلاث سنوات في حين تبلغ مدة المجالس المحلية أربعة سنوات!
وهو تصميم يكاد يكون وصفة سحرية لعدم الاستقرار السياسي واهدار الأموال حيث سيؤدي لاجراء انتخابات عامة كل سنة تقريباً مما سيؤثر بالضرورة على استقرار الحكومة واستقرار الاقتصاد.

ولكي نتصور نتيجة هذا التصميم فانه بافتراض أن انتخابات مجلسي البرلمان الجديد ستجرى بعد اقرار الدستور أخر 2012 والمحليات في 2013 فسيكون لدينا تجديد نصفي لمجلس الشيوخ عام 2015 ثم انتخابات رئاسة في 2016 ثم مجلس النواب والمحليات 2017 وتجديد نصفي أخر للشيوخ 2018 هذا إن لم يحل أي من هذه المجالس في منتصف المدة. أي أننا وعبر السنوات السبع القادمة سنحظى فقط بعام 2014 هادئا دون انتخابات. وكثرة الاستحقاقات السياسية المتعاقبة ستؤدي لحالة من عدم الاستقرار المجتمعي الشديد خاصة في مناخ الاستقطاب الحادث حالياً.

وفي الديمقراطيات العريقة يتم إجراء انتخابات البرلمانية والرئاسية بشكل متواز كما في أمريكا أو في نفس العام كما حدث في فرنسا هذا العام. ثم يعقب ذلك فترة من الاستقرار السياسي يسمح للمؤسسات المنتخبة خلالها بالعمل من أجل تحقيق برامجها وأهدافها قبل محاسبتها سياسياً

لذلك أرى أن يتم توحيد المدد الانتخابية للرئيس ومجلسي النواب والشيوخ ومجالس المحليات على 4 أو 5 سنوات (أرى أن مدة الخمس سنوات أنسب لظروفنا الحالية) بحيث تجرى الانتخابات الرئاسية في النصف الأول من العام ثم يعقبها انتخابات برلمانية (للمجلسين) في النصف الثاني من نفس العام ثم يعقبها انتخابات محلية عامة في النصف الأول من العام اللذي يليه بحيث يصبح لدى الشعب فرصة تجديد تركيبة النظام السياسي بأكمله خلال 18 شهر ثم ينعم بنحو 4 سنوات من الاستقرار السياسي الذي يسمح للمؤسسات المنتخبة بالعمل الجاد قبل الحساب.

رابعاً: صلاحيات مجلس الشيوخ

بدون مقدمات كثيرة استمرار مجلس الشيوخ يجب أن يكون ذا جدوى وبالتالي يجب أن يكون لديه من الصلاحيات ما يبرر هذا الاستمرار، ومع أن مسودة الدستور اعطت للمجلس صلاحيات تشريعية وأعطته أيضاً حق الموافقة أو الرفض على تعيينات الرئيس للأجهزة الرقابية فإنني أرى أن المجلس يجب أن يشارك في الرقابة على تعيين المحافظين وعزلهم (وهو الأمر الذي لم ينظمه المشروع بعد للأسف) فيجب أن يشترط موافقة أغلبية أعضاء مجلس الشيوخ على تعيينات الرئيس للمحافظين وأيضاً يجب أن ينص على حق المجلس في تقديم الاستجوابات للمحافظين وسحب الثقة من أي منهم عند الاقتضاء.

خامساً: مواد الدفاع والأمن القومي

يجب أن نفهم أولاً أن الوضع الذي تم تكريسه للمؤسسة العسكرية داخل مشروع الدستور هو الأمر الواقع الحالي. وهو وضع في الأغلب لن يتغير في الواقع في السنوات القليلة القادمة لكن اعتراضي هاهنا سينصب أساساً على منح واقع عارض تفرضه طبيعة المرحلة شرعية دستورية دائمة.

أولاً: مجلس الدفاع الوطني

من حيث المبدأ، أرى أن النص في الدستور على وجود مجلس للدفاع الوطني وتحديد اختصاصاته بل وتشكيله تزيد يجعل للمجلس وضعاً دستورياً محصناً لا داعي له. إذ يكفي أن يصدر قانون بانشاء المجلس وتحديد تشكيله وصلاحياته حتى يسهل تغيير التشكيل والصلاحيات من قبل السلطة التشريعية وفق الحاجة دون احتياج لتعديل الدستور.

ويعد شكل مجلس الدفاع الوطني المطروح تطويراً لما كان قد تم طرحه قبل ذلك في وثيقة المبادئ الشهيرة بوثيقة السلمي والإعلان الدستوري المكمل الصادر عن المجلس العسكري. وحدث هذا التطوير في اتجاهين أولاً بزيادة نسبة المدنيين في المجلس لاحداث توازن بين المدنيين والعسكريين داخل المجلس (وإن كنت ما زلت أراه مختلاً). وثانياً بجعل رأيه استشارياً في أمر اعلان الحرب بدلاً من جعله وصياً على الرئيس والبرلمان في مشروع السلمي.

إلا أن نقل اختصاص مناقشة تفاصيل الموازنة العسكرية للمجلس دوناً عن البرلمان يظل تغولاً رهيباً لمؤسسة يفترض أن تكون فرعاً من السلطة التنفيذية على سلطة هي في الأصل حق خالص للسلطة التشريعية.

وحل حاجة القوات المسلحة للسرية في مناقشة ميزانيتها لا يكون بنقل سلطة مناقشة هذه الميزانية والرقابة عليها خارج البرلمان. لكن الحل الأكثر ملائمة يكون في تشكيل لجنة برلمانية مصغرة (بمعايير أمنية صارمة) من عشرة أعضاء نصفهم من أعضاء لجنة الدفاع والأمن القومي والنصف الأخر من أعضاء لجنة الخطة والموازنة لتكون مختصةً بمناقشة تفاصيل موازنة القوات المسلحة (وموازنة المخابرات) مع الرئاسة و الحكومة والقيادات العسكرية ثم رفعها رقماً واحداً إلى البرلمان.

ثانياً: عسكرة وزارة الدفاع

غني تماماً عن الذكر أن منصب الوزير (أي وزير) هو في الأصل منصب سياسي مدني تماماً ، والمناصب السياسية يتولاها السياسيون لا الفنيون.

أدرك أن واقعنا الحالي ما زال بعيداً عن هذا المبدأ, وذلك في جميع الوزارات وليس في وزارة الدفاع فقط، وهو أمر مرده في الأساس للفقر العام في الكوادر السياسية، إلا أن منح هذا الوضع (تخصيصاً للمؤسسة العسكرية) حصانة دستورية فيه تجاوز لشرعية الانتخاب الشعبي وفرض لقبلية فئوية على رئيس الدولة. فضلاً عن أنه يفرض تداخلاً بين المؤسسة العسكرية والعمل السياسي مما سيؤدي إلى فساد كليهما. فساد السياسة بتدخل العسكر فيها وفساد الجيش بتسييس قياداته.

لذلك أرفض تماماً نص المادة 198 الذي يلزم الرئيس دستورياً بتعيين وزير الدفاع من بين العسكريين (حتى إن كان هذا هو الواقع الحاضر وفي المستقبل المنظور) وأرى إن كان لذلك ضرورة سياسية حالية أن يحال هذا إلى القانون.

ثالثاً: سلطة الرئيس العسكرية

يقيد المشروع سلطة رئيس الجمهورية في إعلان الحرب أو إرسال قوات مسلحة إلى خارج البلاد بموافقة مجلس النواب المسبقة وهو أمر إن كان مطلوباً في شأن إعلان الحرب إلا أنه تزيد في شأن إرسال القوات المسلحة خارج البلاد.
ذلك أن طبيعة التهديدات العسكرية أو الإرهابية التي قد تستدعي إرسال قوات مسلحة للخارج لمواجهتها أو إجهاضها بضربات استباقية تتطلب لمجابهتها كل من سرعة اتخاذ القرار وسرية العمليات وبالتالي فإن اشتراط الموافقة (المسبقة) للبرلمان على ارسال القوات للخارج سيكون مكبلاً للرئيس وقيادة الجيش في اداء دورهم الدفاعي عن الوطن
لذا أرى أن يمنح الدستور الرئيس حق اتخاذ ما يراه من إجراءات عسكرية للدفاع عن البلاد (بما في ذلك ارسال قوات للخارج) على أن يعرض ما اتخذه من اجراءات على البرلمان في غضون سبعة أيام على أقصى تقدير كما تتطلبه اجراءات اعلان حالة الطوارئ.

سادساً: التوازن بين الرئيس والبرلمان

كل ما كان معلناً من قبل جميع القوى السياسية المشاركة في الجمعية التأسيسية يقول أننا بصدد تصميم نظام دستوري رئاسي-برلماني مشترك، وهو ما يتطلب توازناً دقيقاً في القوة بين الطرفين يقتضي تعاونهما في تشكيل الحكومة وتبادلهما للرقابة على بعضهما البعض مع تجنب أن يؤدي ذلك إلى الشلل السياسي.

وغني عن الذكر أن أهمية المواد المنظمة للتوازن الرئاسي البرلماني تبرز في حالة أن الحزب الذي جاء منه الرئيس لم يكن صاحب الأغلبية البرلمانية وهي الحالة التي أرى أنها ستكون الغالبة في المستقبل المنظور ذلك أنني مقتنع أنه لا يوجد حزب حالي يستطيع أن يؤمن أغلبية برلمانية متفرداً لسنوات قادمة.

أولاً: تشكيل الحكومة

تنظم المادة 145 تشكيل الحكومة من قبل الرئيس وعرضها على البرلمان لنيل الموافقة على برنامجها, وتقضي بأن يعرض الرئيس الحكومة على البرلمان لنيل ثقته ثلاث مرات متتالية فإن رفضها البرلمان ثلاثاً حل الرئيس البرلمان! وخطورة نص هذه المادة يكمن في أمرين

أولهما: أن المادة تضع سلطة تشكيل الحكومة عملياً في يد الرئيس منفرداً، ذلك أنه ليس مجبراً على التنازل والموائمة بأي شكل مع البرلمان في تشكيل الحكومة لأن المادة في النهاية تضع البرلمان بين خياري قبول تشكيل وبرنامج حكومة الرئيس أو الحل!

ثانيهما: أن المادة قد يتم اساءة استخدامها كتكئة من قبل رئيس الجمهورية لحل البرلمان خصوصاً أن نص المادة لا يوضح ما إذا كان حل الرئيس للبرلمان في هذه الحالة سيكون ملتزماً بالضوابط والاجراءات المبينة في المادة 129!

ثانياً: حل البرلمان

لا شك أن المادة 129 تعد تقدماً في مجال تقييد صلاحيات رئيس الجمهورية على البرلمان في أنها قيدت حق الرئيس في حل البرلمان باجراء استفتاء للشعب أولاُ ليقبل أو يرفض حل المجلس.

لكنني فوجئت في المسودة المنشورة بحذف ما كان قد نشر سابقاً من وجوب استقالة رئيس الجمهورية حال رفض الشعب حل البرلمان، وهو قيد أراه ضرورياً. فهو اجراء يضمن أولاً عدم اساءة استخدام حق الدعوة للاستفتاء من قبل الرئيس. ثم إنه يعالج صداماً سياسياً هائلاً من المؤكد أنه سيحدث بين البرلمان والرئيس الذي كان يحاول حله!

ثالثاً: محاكمة الرئيس

كما أن حق الرئيس في حل البرلمان يجب أن يكون مقيداً بالاستفتاء الذي لو تم رفضه وجبت استقالة الرئيس. فإنه من البديهي أن حق محاكمة البرلمان لرئيس الجمهورية الذي تنظمه المادة 159 من المشروع يجب أن يكون مقيداً بضوابط موضوعية معينة، كأن يشترط أخذ موافقة جهة الادعاء في المحكمة المنصوص عليها في المادة (وهي هنا النائب العام) على قرار الاتهام مسبقاً. كما لابد من النص على اعتبار البرلمان منحلاً تلقائياً حال قضت المحكمة ببرائة رئيس الجمهورية مما نسب إليه من تهم. فلا يعقل أن يعمل رئيس مع برلمان بعدما اتهمه بالخيانة العظمى أو انتهاك الدستور!

ولأن الضمانات السابقة قد تؤدي إلى حالة من المواجهة السياسية التي قد تفضي إلى الشلل فأرى أن الحل ببساطة يكمن في وضع الرئيس والبرلمان بين مطرقة الوقت وسندان الرقابة الشعبية وذلك بنصوص دستورية تضمن الترتيبات التالية:

عند حدوث أي من الأتي (استلام الرئيس الجديد لمهام منصبه في بداية مدته الرئاسية – انعقاد أول جلسة للبرلمان – إقالة الرئيس للحكومة – سحب البرلمان الثقة من الحكومة – استقالة رئيس الحكومة أو أغلبية أعضائها) وجب على رئيس الجمهورية تكليف رئيس للوزراء ليشكل حكومة تحظى بثقة البرلمان في موعد أقصاه 45 يوماً.

وفي حالة فشل الرئيس والبرلمان في التعاون على تشكيل الحكومة خلال المدة المحددة تنظم المفوضية العليا للانتخابات وجوبياً استفتاءً عاماً خلال 21 يوم من انتهاء المدة ليختار فيه الشعب إقالة الرئيس أو حل البرلمان.

وفي حالة وجود ظروف قهرية أو طارئة أو مصاعب تعوق تشكيل الحكومة على غير إرادة سياسية من الرئيس أو البرلمان يحق للرئيس أو مجلس النواب أن يتقدم بالتماس للمحكمة الدستورية مسبب بطبيعة هذه الظروف لمد المدة المقررة للتشكيل. على أن يقدم الاتماس قبل نهاية المدة وتقضي في خلال 15 يوم من تقديم الالتماس بقبوله أو عدم قبوله. وفي حالة قبول الاتماس تمدد المدة المتاحة لتشكيل الحكومة 45 يوماً أخرى وإلا يتم إجراء الاستفتاء.

هذه أهم الملاحظات (التي أراها مركزية) على باب نظام الحكم في مسودة مشروع الدستور الجديد والمقترحات التي أراها .

بقي أن أقول أن تفعيل الدستور الجديد لإعادة بناء النظام السياسي يتطلب أن تحتوي الأحكام الانتقالية على مواد تضمن إعادة تشكيل وهيكلة مؤسسات الدولة وعلى رأسها السلطة القضائية (وخصوصاً النائب العام والمحكمة الدستورية) بمعايير وأشخاص جديدة مبنية على الولاء للثورة ودستورها

هذا، وعلى الله قصد السبيل.
عبدالرحمن عبدالودود، مدينة الشيخ زايد, 22 أكتوبر، العام الثاني للثورة

السبت، 13 أكتوبر 2012

في النصب عبر الطريقة التركية




أتحفنا خالد علي صباح اليوم بتكرار "لنصباية" نخبوية سبق أن قرأتها لأكثر من واحد (أذكر منهم عمرو الشوبكي ) عن الطريقة التي يكتب بها الأتراك دستورهم الجديد.

  تقول المعلومة أن البرلمان التركي بأغلبيته التي يسيطر عليها حزب العدالة والتنمية التركي شكل اللجنة التي ستضع أسس الدستور الجديد على أساس تمثيل كل حزب ب٤ أشخاص على التساوي دون اعتبار لعدد المقاعد التي يحوزها كل حزب في 
البرلمان.


المعلومة صحيحة تماماً فأين يكمن النصب والتضليل؟


يكمن النصب والتضليل ببساطة في معلومات مكملة يتم اسقاطها عمداً أو جهلاً.


أولاً: أن اللجنة تم تشكيلها على أسس سياسية-حزبية بحتة كما يجب أن تكتب الدساتير وكما كانت نظرية لجنة البشري في تكوين التأسيسية وليس على أسس من المحاصصه الطائفية أو الفئوية أو الجهوية التي تم بها الإدعاء على أسلوب تشكيل التأسيسية المصرية


ثانياً: أن اللجنة تضم في عضويتها ممثلين عن الأحزاب التي لديها مقاعد برلمانية "فقط" وعددها ثلاثة أحزاب (أي ان اللجنة بها ١٢ عضوا)


وثالثاً: أن هذه "لجنة" وليست جمعية.


ولكي نفهم ما هو مترتب على ثانياً وثالثاً يجب أن نعلم الآتي:


النظام الانتخابي التركي هو نظام يقوم على القائمة النسبية المشروطة بعتبة انتخابية عالية تبلغ ١٠٪ من الأصوات (أي أن الحزب الذي لا يستطيع الحصول على أكثر من ١٠٪ من مجموع أصوات الناخبين الأتراك لا يحظى بأي مقعد في البرلمان)


ولكي نفهم تأثير ذلك: لو كان لدينا نفس النظام في مصر لما تم تمثيل أي حزب في البرلمان عدا حزبي "الحرية والعدالة" و"النور" فقط بالنظر لأن القائمة صاحبة المركز الثالث وهي قائمة الوفد لم تحصل أكثر من ٩٪ من أصوات الناخبين.


أي أن لجنة دستورنا عندها كانت ستكون مناصفة بين الاخوان والسلفيين فقط دون شريك.

أما الخدعة الثالثة فهي أن البرلمان التركي شكل لجنة دستورية وليس جمعية تأسيسية. ما الفارق؟


الفارق يا عزيزي أن اللجان ترفع نتيجة أعمالها إلى الجهة التي كلفتها بالعمل لتراجعها كما رفعت لجنة دستور٢٣ نتيجة عملها للملك ولجنة ٥٤ لمجلس قيادة الثورة ولجنة ٧١ لأنور السادات.


أي أن اللجنة التركية "التوافقية" سترفع مشروع الدستور في النهاية ليناقشه البرلمان "بأغلبيته وأقليته" ويصوت على مواده قبل إقراره.


أما الجمعيات التأسيسية فلا ترفع أعمالها لأحد غير الشعب لأنها مستقلة تماماً وإما أن تكتب الدستور وتصدره مباشرة إن كانت منتخبة بشكل مباشر "كما هي الحالة التونسية" أو أن ترفع للشعب ليستفتى عليه إن كانت منتخبة على درجتين كما هو حال التأسيسية المصرية. وبالتالي فوجوب تمثيل المجتمع بأوزان قواه السياسية النسبية في الجمعيات التأسيسية أمر لا جدال فيه.

وختاماً أريد أن أقول لكل نصاب من نخبتنا: اقرأ جيداً أو توقف عن النصب على من لا يقرأ جيداً.



عبدالرحمن عبدالودود، مدينة الاسكندرية، ١٣ أكتوبر، العام الثاني للثورة