أتحفنا خالد علي صباح اليوم بتكرار "لنصباية" نخبوية سبق أن قرأتها لأكثر من واحد (أذكر منهم عمرو الشوبكي ) عن الطريقة التي يكتب بها الأتراك دستورهم الجديد.
تقول المعلومة أن البرلمان التركي بأغلبيته التي يسيطر عليها حزب العدالة والتنمية التركي شكل اللجنة التي ستضع أسس الدستور الجديد على أساس تمثيل كل حزب ب٤ أشخاص على التساوي دون اعتبار لعدد المقاعد التي يحوزها كل حزب في
البرلمان.
المعلومة صحيحة تماماً فأين يكمن النصب والتضليل؟
يكمن النصب والتضليل ببساطة في معلومات مكملة يتم اسقاطها عمداً أو جهلاً.
أولاً: أن اللجنة تم تشكيلها على أسس سياسية-حزبية بحتة كما يجب أن تكتب الدساتير وكما كانت نظرية لجنة البشري في تكوين التأسيسية وليس على أسس من المحاصصه الطائفية أو الفئوية أو الجهوية التي تم بها الإدعاء على أسلوب تشكيل التأسيسية المصرية
ثانياً: أن اللجنة تضم في عضويتها ممثلين عن الأحزاب التي لديها مقاعد برلمانية "فقط" وعددها ثلاثة أحزاب (أي ان اللجنة بها ١٢ عضوا)
وثالثاً: أن هذه "لجنة" وليست جمعية.
ولكي نفهم ما هو مترتب على ثانياً وثالثاً يجب أن نعلم الآتي:
النظام الانتخابي التركي هو نظام يقوم على القائمة النسبية المشروطة بعتبة انتخابية عالية تبلغ ١٠٪ من الأصوات (أي أن الحزب الذي لا يستطيع الحصول على أكثر من ١٠٪ من مجموع أصوات الناخبين الأتراك لا يحظى بأي مقعد في البرلمان)
ولكي نفهم تأثير ذلك: لو كان لدينا نفس النظام في مصر لما تم تمثيل أي حزب في البرلمان عدا حزبي "الحرية والعدالة" و"النور" فقط بالنظر لأن القائمة صاحبة المركز الثالث وهي قائمة الوفد لم تحصل أكثر من ٩٪ من أصوات الناخبين.
أي أن لجنة دستورنا عندها كانت ستكون مناصفة بين الاخوان والسلفيين فقط دون شريك.
أما الخدعة الثالثة فهي أن البرلمان التركي شكل لجنة دستورية وليس جمعية تأسيسية. ما الفارق؟
الفارق يا عزيزي أن اللجان ترفع نتيجة أعمالها إلى الجهة التي كلفتها بالعمل لتراجعها كما رفعت لجنة دستور٢٣ نتيجة عملها للملك ولجنة ٥٤ لمجلس قيادة الثورة ولجنة ٧١ لأنور السادات.
أي أن اللجنة التركية "التوافقية" سترفع مشروع الدستور في النهاية ليناقشه البرلمان "بأغلبيته وأقليته" ويصوت على مواده قبل إقراره.
أما الجمعيات التأسيسية فلا ترفع أعمالها لأحد غير الشعب لأنها مستقلة تماماً وإما أن تكتب الدستور وتصدره مباشرة إن كانت منتخبة بشكل مباشر "كما هي الحالة التونسية" أو أن ترفع للشعب ليستفتى عليه إن كانت منتخبة على درجتين كما هو حال التأسيسية المصرية. وبالتالي فوجوب تمثيل المجتمع بأوزان قواه السياسية النسبية في الجمعيات التأسيسية أمر لا جدال فيه.
وختاماً أريد أن أقول لكل نصاب من نخبتنا: اقرأ جيداً أو توقف عن النصب على من لا يقرأ جيداً.
عبدالرحمن عبدالودود، مدينة الاسكندرية، ١٣ أكتوبر، العام الثاني للثورة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق