الأحد، 23 ديسمبر 2012

الاستفتاء على الدستور: لمن انتصر الشعب المصري؟



انتهى الاستفتاء على الدستور في أجواء الاستقطاب والاحتقان التي سبقته باقراره بنسبة موافقة  بلغت 64%

قبل أن تقرأ هذا الكلام يجب أولاً أن تكون مقتنعاً بأمرين:

أولهما أن الحضور المشاركين في أي عملية سياسية ديمقراطية (على اختلاف نسبتهم من تصويت لآخر) ينوبون عن مجموع الناخبين المسجلين وبالتالي يمكن القول دون اخلال أن نسب اختياراتهم المختلفة تمثل أغلبية الشعب

وثانيهما: لا معنى لأن تستمر في قراءة السطور التالية إذا كنت تعتقد جازماً أن عملية التصويت تمت تحت إرادة تزوير وأن مجموع التجاوزات التي شابتها يخل بالنتيجة العامة لدرجة البطلان.

مبدئياً تأثرت نسبة المشاركة في الاستفتاء الأخير مقارنة باستفتاء مارس الماضي (لأن الاستفتاءات عموماً أقل في نسبة المشاركة من الانتخابات) بمنع الناخبين من الادلاء بأصواتهم خارج لجانهم مما حد من قدرة ملايين المغتربين عن محافظاتهم على المشاركة.

ثم دعونا نتفق أولاً أن العامل الحاسم في اتخاذ الغالبية العظمى من المصريين لقرارهم بالموافقة على الدستور أو العكس لم يكن مضمون الدستور نفسه.

بمعنى أن نتيجة الاستفتاء (عدا هوامش بسيطة)  ليست معبرة في الحقيقة عن مدى رفض أو قبول مشروع الدستور نفسه بقدر ما كانت مرتبطة أساساً بالاختيار بين النظام السياسي القائم ومعارضيه الجذريين

وقد حاول كلا الطرفين بناء توقعاته للنتائج أو استنتاجاته بعد خروجها على مقارنتها بنتيجة جولة الإعادة في انتخابات في الانتخابات الرئاسية قبل ستة أشهر.

فبنت جبهة الإنقاذ توقعاتها على أن نسبة ال 48% التي حصل عليها أحمد شفيق تضم مجموع الرافضين لحكم الرئيس مرسي والإسلاميين عموماً. وبالتالي بما أن ال52% التي حصل عليها مرسي ضمت كل الإسلاميين مضافاً إليهم ما اصطلح على وصفهم (عاصري الليمون) وهم المجموعات التي ضمن قوى ثورية مثل حركة 6 أبريل والاشتراكيين الثوريين وجبهة فيرمونت وحملة الدكتور أبو الفتوح التي أصبحت حزب (مصر القوية) وأحزاب ليبرالية مثل حزب غد الثورة وبالتالي فإن خسارة مرسي ونظامه لتأييد هؤلاء لصالح رفض الدستور (مضافاً إليهم قطاعات واسعة ممن قاطعوا جولة الإعادة من مؤيدي حمدين والبرادعي والوفد) سيعني بالتأكيد الهزيمة لمرسي ونظامه وسحب الشرعية الانتخابية منهم أو على أقل تقدير اخراج النتيجة لتوحي بانقسام حاد في المجتمع حول هذا الدستور.

وكرد فعل على هذا الطرح فإن قطاعاً كبيراً من مؤيدي مرسي سيعتبر النتيجة انتصاراً كبيراً للرئيس وحزبه وحلفائه الذين استطاعوا أن يرفعوا نسبة تأييدهم في المجتمع من 52% (مع عاصري الليمون) إلى النتيجة الحالية، 64%، رغم كونهم قد خسروا قوى الليمونادة كلها.

والحقيقة أن كلا الطرحين خاطئ تماماً ومبني على تحليل خاطئ لدوافع الناخبين للتصويت (بما يخدم أغراض المحلل) سواءً الملايين الذين صوتوا لشفيق أو الملايين الذين صوتوا بنعم للدستور.

كلمة السر (أو الكتلة المرجحة) أيها السادة كانت وما زالت في كل عمليات التصويت منذ الثورة حتى الآن هي كتلة الاستقرار، التي تختار دائماً أن يكون أي تغيير هو تغيير تدريجي إصلاحي منضبط يمنع أي باب للفوضى أو الانقلابات الثورية.

 وكتلة الأستقرار هذه هي الكتلة الأكبر على الإطلاق بين الناخبين رغم غياب أي نوع من أنواع الروابط السياسية أو الفكرية أو التنظيمية التي تربط  أفرادها معاً ،، وسلوكها التصويتي كان غالباً سلوكاً عقابياً بامتياز.

بدأت هذه الكتلة بالانحياز المطلق في استفتاء مارس نحو المسار الإصلاحي الواضح الذي يضمن انتقالاً سلمياً وسريعاً للسلطة بشكل ديمقراطي في مقابل المسارات الثورية الغامضة من عينة (الدستور أولاً والمجلس الرئاسي المدني).

ثم قامت في الانتخابات البرلمانية بالانحياز للقوى الإسلامية التي بدت الأكثر تنظيماً و مسؤولية عبر الشهور التي سبقتها والتي احتفظت بعلاقات تعاون غير صدامية مع السلطة العسكرية وحرصت على عدم الإنجراف لعمليات تصعيد غير محسوبة تضغط على عموم الناس من نوعية اعتصامات التحرير وغلق المجمع والاضرابات العمالية والمواجهات في مسرح البالون وماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء. كان هذا تصويتاً عقابياً ضد القوى التي بدت أكثر ثورية وأقل حرصاً على الانضباط والاستقرار.

أما التحول الكبير فهو الذي حدث في انتخابات الرئاسة ، فقد أدت المواجهات والاضطرابات التي سادت الفترة الانتقالية إلى رغبة قطاع كبيرجداً من كتلة الاستقرار هذه في اختيار من يكبح جماح الشارع ويقمع الثورة ، وكان شفيق هو الذي يعرض عليها هذا بمنتهى الوضوح.

وكانت الملابسات الزمنية أدت إلى تصوير الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي عموماً كجزء من القوى الثورية و من معادلة عدم الاستقرار في البلاد، فقد عاد الإسلاميون للميادين وانتهى شهر العسل بينهم وبين المجلس العسكري وحكومة الجنزوري مع ما يحظى به الأخير من تقدير عام لدى رجل الشارع العادي. وكانت وقائع  اعتصام ومواجهات العباسية فارقة بالنسبة لكثيرين من ابناء حزب الاستقرار هذا خصوصاً أن المكون الرئيسي للاعتصام كان إسلامياً (حركة حازمون والجبهة السلفية وغيرها) ، ورجل الشارع العادي لا يفرق كثيراً بين الفصائل الإسلامية المختلفة.

الذي حدث قبيل الاستفتاء هو أن قوى المعارضة الرئيسية (ممثلة في جبهة إنقاذ مصر) فعلت كل ما من شأنه أن يستفز كتلة الاستقرار  لعقابها انتخابياً بالبعد عن أساليب المواجهة السياسية و باستدعاء خطاب وأساليب العمل الثوري مرة أخرى والعودة للاعتصامات والمليونيات فأغلقت ميدان التحرير وعطلت العمل في المجمع وقطعت كوبري أكتوبر وتصرفت بعنف وعدوانية تجاه مقرات الحزب الحاكم ومقر القصر الرئاسي وأشعلت مواجهات سقط فيها القتلى والمصابون في محمد محمود والاتحادية ودمنهور والقائد إبراهيم.

ورغم اندفاع القطاع الثوري من التيار الإسلامي (المتحلق حول حازم أبو أسماعيل) نحو الرد والمواجهة فإن رد الفعل العام من الفصائل الأكثر تنظيماً من الإسلاميين (الإخوان والدعوة السلفية) كان أكثر انضباطاً وأميل إلى امتصاص العنف دون اندفاع إلى المواجهة (باستثناء ما حدث في الاتحادية). وحتى في تلك الحادثة الوحيدة فإن أغلب الضحايا الذين سقطوا كانوا في صفوف الإخوان وهو ما أكسبهم قدراً من التعاطف غطى على الغضب من اندفاعهم نحو المواجهة.

أضف على ما سبق أن جبهة الانقاذ رفضت كل دعوات الحوار من الرئاسة ورفضت طرح بدائل عملية للخروج من المأزق حتى أن البديل قد جاء من رئاسة الجمهورية باعتماد انتخاب الجمعية التأسيسية مباشرة من الشعب حال جاء قرار الناخبين برفض المشروع المطروح أمامهم.

كل هذه المقدمات ببساطة كان لا بد أن تؤدي إلى استفزاز كتلة الاستقرار لتعاقب جبهة الانقاذ على سلوكها الصدامي ولتنحاز إلى اختيارها الدائم، الحركة المنضبطة للأمام.

حسناً ، لصالح من كانت هذه النتيجة النهائية، بمعنى آخر، لمن أنتصر الناخبون من طرفي الصراع (الحكم وأنصاره أم المعارضة وأنصارها)؟

الحقيقة أن الناخبين المصريين انتصروا لأنفسهم ولأنفسهم فقط، إن التصويت بنعم كانت رسالته: نحن أصحاب القرار الأول والأخير وإذا أردت أن تحدث تغييراً ما عليك أن تقنعنا نحن لنعطيك صك هذا التغيير عبر صناديق الاقتراع.

يخطئ بشدة أنصار الحكم إن تصوروا أن هذه النسبة من التأييد هي نسبة تأييدهم الحالية في المجتمع أو أن الناخبين الذين قالوا نعم قالوها تأييداً لمرسي أو حتى تأييداً للدستور.

هذا الاستفتاء لم يكن على نظام الحكم القائم ولكنه كان على شرعيته في مواجهة الأطروحات القائلة بإسقاطها، وهناك فارق جوهري.

فمن قال نعم ليس بالضرورة مؤيداً لشخص مرسي أو لحزبه أو حتى راضياً عن أدائه خلال ستة أشهر ولكنه مؤيد لشرعيته كرئيس. لسان حال أكثرهم: لا أرى مرسي أفضل من يحكم مصر وقد لا أكون راضياً عن أدائه بالضرورة ولكنه الرئيس الشرعي المنتخب الذي له الحق في أن يحكم البلاد وفق رؤيته حتى نهاية مدة ولايته.

وبالمثل فيما خص الدستور: قد لا أكون مؤيداً لهذا المشروع بالضرورة أو لأشخاص التأسيسية التي كتبته ولكنني أقر بأنها التأسيسية الشرعية المنتخبة من الشعب المخولة بكتابة الدستور لهذه البلاد.

كان تعليق الكثيرين ممن هم ليسو مؤيدين للاسلاميين بالضرورة: لابد أن يأخذوا فرصتهم الكاملة ، فيوضع دستورهم قيد الاختبار ويكمل رئيسهم مدته الرئاسية.

إن فرصة كل فريق في الانتخابات البرلمانية القادمة ستتوقف في جزء كبير منها على قدرة هذا الفريق على فهم احتياجات كتلة الاستقرار هذه ورغباتها لأن هذه الكتلة ستكون المرجحة بين الفريقين.


هذا وعلى الله قصد السبيل،

عبدالرحمن عبدالودود، مدينة الشيخ زايد، 24 ديسمبر، العام الثاني للثورة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق