الأحد، 23 ديسمبر 2012

الاستفتاء على الدستور: لمن انتصر الشعب المصري؟



انتهى الاستفتاء على الدستور في أجواء الاستقطاب والاحتقان التي سبقته باقراره بنسبة موافقة  بلغت 64%

قبل أن تقرأ هذا الكلام يجب أولاً أن تكون مقتنعاً بأمرين:

أولهما أن الحضور المشاركين في أي عملية سياسية ديمقراطية (على اختلاف نسبتهم من تصويت لآخر) ينوبون عن مجموع الناخبين المسجلين وبالتالي يمكن القول دون اخلال أن نسب اختياراتهم المختلفة تمثل أغلبية الشعب

وثانيهما: لا معنى لأن تستمر في قراءة السطور التالية إذا كنت تعتقد جازماً أن عملية التصويت تمت تحت إرادة تزوير وأن مجموع التجاوزات التي شابتها يخل بالنتيجة العامة لدرجة البطلان.

مبدئياً تأثرت نسبة المشاركة في الاستفتاء الأخير مقارنة باستفتاء مارس الماضي (لأن الاستفتاءات عموماً أقل في نسبة المشاركة من الانتخابات) بمنع الناخبين من الادلاء بأصواتهم خارج لجانهم مما حد من قدرة ملايين المغتربين عن محافظاتهم على المشاركة.

ثم دعونا نتفق أولاً أن العامل الحاسم في اتخاذ الغالبية العظمى من المصريين لقرارهم بالموافقة على الدستور أو العكس لم يكن مضمون الدستور نفسه.

بمعنى أن نتيجة الاستفتاء (عدا هوامش بسيطة)  ليست معبرة في الحقيقة عن مدى رفض أو قبول مشروع الدستور نفسه بقدر ما كانت مرتبطة أساساً بالاختيار بين النظام السياسي القائم ومعارضيه الجذريين

وقد حاول كلا الطرفين بناء توقعاته للنتائج أو استنتاجاته بعد خروجها على مقارنتها بنتيجة جولة الإعادة في انتخابات في الانتخابات الرئاسية قبل ستة أشهر.

فبنت جبهة الإنقاذ توقعاتها على أن نسبة ال 48% التي حصل عليها أحمد شفيق تضم مجموع الرافضين لحكم الرئيس مرسي والإسلاميين عموماً. وبالتالي بما أن ال52% التي حصل عليها مرسي ضمت كل الإسلاميين مضافاً إليهم ما اصطلح على وصفهم (عاصري الليمون) وهم المجموعات التي ضمن قوى ثورية مثل حركة 6 أبريل والاشتراكيين الثوريين وجبهة فيرمونت وحملة الدكتور أبو الفتوح التي أصبحت حزب (مصر القوية) وأحزاب ليبرالية مثل حزب غد الثورة وبالتالي فإن خسارة مرسي ونظامه لتأييد هؤلاء لصالح رفض الدستور (مضافاً إليهم قطاعات واسعة ممن قاطعوا جولة الإعادة من مؤيدي حمدين والبرادعي والوفد) سيعني بالتأكيد الهزيمة لمرسي ونظامه وسحب الشرعية الانتخابية منهم أو على أقل تقدير اخراج النتيجة لتوحي بانقسام حاد في المجتمع حول هذا الدستور.

وكرد فعل على هذا الطرح فإن قطاعاً كبيراً من مؤيدي مرسي سيعتبر النتيجة انتصاراً كبيراً للرئيس وحزبه وحلفائه الذين استطاعوا أن يرفعوا نسبة تأييدهم في المجتمع من 52% (مع عاصري الليمون) إلى النتيجة الحالية، 64%، رغم كونهم قد خسروا قوى الليمونادة كلها.

والحقيقة أن كلا الطرحين خاطئ تماماً ومبني على تحليل خاطئ لدوافع الناخبين للتصويت (بما يخدم أغراض المحلل) سواءً الملايين الذين صوتوا لشفيق أو الملايين الذين صوتوا بنعم للدستور.

كلمة السر (أو الكتلة المرجحة) أيها السادة كانت وما زالت في كل عمليات التصويت منذ الثورة حتى الآن هي كتلة الاستقرار، التي تختار دائماً أن يكون أي تغيير هو تغيير تدريجي إصلاحي منضبط يمنع أي باب للفوضى أو الانقلابات الثورية.

 وكتلة الأستقرار هذه هي الكتلة الأكبر على الإطلاق بين الناخبين رغم غياب أي نوع من أنواع الروابط السياسية أو الفكرية أو التنظيمية التي تربط  أفرادها معاً ،، وسلوكها التصويتي كان غالباً سلوكاً عقابياً بامتياز.

بدأت هذه الكتلة بالانحياز المطلق في استفتاء مارس نحو المسار الإصلاحي الواضح الذي يضمن انتقالاً سلمياً وسريعاً للسلطة بشكل ديمقراطي في مقابل المسارات الثورية الغامضة من عينة (الدستور أولاً والمجلس الرئاسي المدني).

ثم قامت في الانتخابات البرلمانية بالانحياز للقوى الإسلامية التي بدت الأكثر تنظيماً و مسؤولية عبر الشهور التي سبقتها والتي احتفظت بعلاقات تعاون غير صدامية مع السلطة العسكرية وحرصت على عدم الإنجراف لعمليات تصعيد غير محسوبة تضغط على عموم الناس من نوعية اعتصامات التحرير وغلق المجمع والاضرابات العمالية والمواجهات في مسرح البالون وماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء. كان هذا تصويتاً عقابياً ضد القوى التي بدت أكثر ثورية وأقل حرصاً على الانضباط والاستقرار.

أما التحول الكبير فهو الذي حدث في انتخابات الرئاسة ، فقد أدت المواجهات والاضطرابات التي سادت الفترة الانتقالية إلى رغبة قطاع كبيرجداً من كتلة الاستقرار هذه في اختيار من يكبح جماح الشارع ويقمع الثورة ، وكان شفيق هو الذي يعرض عليها هذا بمنتهى الوضوح.

وكانت الملابسات الزمنية أدت إلى تصوير الإخوان المسلمين والتيار الإسلامي عموماً كجزء من القوى الثورية و من معادلة عدم الاستقرار في البلاد، فقد عاد الإسلاميون للميادين وانتهى شهر العسل بينهم وبين المجلس العسكري وحكومة الجنزوري مع ما يحظى به الأخير من تقدير عام لدى رجل الشارع العادي. وكانت وقائع  اعتصام ومواجهات العباسية فارقة بالنسبة لكثيرين من ابناء حزب الاستقرار هذا خصوصاً أن المكون الرئيسي للاعتصام كان إسلامياً (حركة حازمون والجبهة السلفية وغيرها) ، ورجل الشارع العادي لا يفرق كثيراً بين الفصائل الإسلامية المختلفة.

الذي حدث قبيل الاستفتاء هو أن قوى المعارضة الرئيسية (ممثلة في جبهة إنقاذ مصر) فعلت كل ما من شأنه أن يستفز كتلة الاستقرار  لعقابها انتخابياً بالبعد عن أساليب المواجهة السياسية و باستدعاء خطاب وأساليب العمل الثوري مرة أخرى والعودة للاعتصامات والمليونيات فأغلقت ميدان التحرير وعطلت العمل في المجمع وقطعت كوبري أكتوبر وتصرفت بعنف وعدوانية تجاه مقرات الحزب الحاكم ومقر القصر الرئاسي وأشعلت مواجهات سقط فيها القتلى والمصابون في محمد محمود والاتحادية ودمنهور والقائد إبراهيم.

ورغم اندفاع القطاع الثوري من التيار الإسلامي (المتحلق حول حازم أبو أسماعيل) نحو الرد والمواجهة فإن رد الفعل العام من الفصائل الأكثر تنظيماً من الإسلاميين (الإخوان والدعوة السلفية) كان أكثر انضباطاً وأميل إلى امتصاص العنف دون اندفاع إلى المواجهة (باستثناء ما حدث في الاتحادية). وحتى في تلك الحادثة الوحيدة فإن أغلب الضحايا الذين سقطوا كانوا في صفوف الإخوان وهو ما أكسبهم قدراً من التعاطف غطى على الغضب من اندفاعهم نحو المواجهة.

أضف على ما سبق أن جبهة الانقاذ رفضت كل دعوات الحوار من الرئاسة ورفضت طرح بدائل عملية للخروج من المأزق حتى أن البديل قد جاء من رئاسة الجمهورية باعتماد انتخاب الجمعية التأسيسية مباشرة من الشعب حال جاء قرار الناخبين برفض المشروع المطروح أمامهم.

كل هذه المقدمات ببساطة كان لا بد أن تؤدي إلى استفزاز كتلة الاستقرار لتعاقب جبهة الانقاذ على سلوكها الصدامي ولتنحاز إلى اختيارها الدائم، الحركة المنضبطة للأمام.

حسناً ، لصالح من كانت هذه النتيجة النهائية، بمعنى آخر، لمن أنتصر الناخبون من طرفي الصراع (الحكم وأنصاره أم المعارضة وأنصارها)؟

الحقيقة أن الناخبين المصريين انتصروا لأنفسهم ولأنفسهم فقط، إن التصويت بنعم كانت رسالته: نحن أصحاب القرار الأول والأخير وإذا أردت أن تحدث تغييراً ما عليك أن تقنعنا نحن لنعطيك صك هذا التغيير عبر صناديق الاقتراع.

يخطئ بشدة أنصار الحكم إن تصوروا أن هذه النسبة من التأييد هي نسبة تأييدهم الحالية في المجتمع أو أن الناخبين الذين قالوا نعم قالوها تأييداً لمرسي أو حتى تأييداً للدستور.

هذا الاستفتاء لم يكن على نظام الحكم القائم ولكنه كان على شرعيته في مواجهة الأطروحات القائلة بإسقاطها، وهناك فارق جوهري.

فمن قال نعم ليس بالضرورة مؤيداً لشخص مرسي أو لحزبه أو حتى راضياً عن أدائه خلال ستة أشهر ولكنه مؤيد لشرعيته كرئيس. لسان حال أكثرهم: لا أرى مرسي أفضل من يحكم مصر وقد لا أكون راضياً عن أدائه بالضرورة ولكنه الرئيس الشرعي المنتخب الذي له الحق في أن يحكم البلاد وفق رؤيته حتى نهاية مدة ولايته.

وبالمثل فيما خص الدستور: قد لا أكون مؤيداً لهذا المشروع بالضرورة أو لأشخاص التأسيسية التي كتبته ولكنني أقر بأنها التأسيسية الشرعية المنتخبة من الشعب المخولة بكتابة الدستور لهذه البلاد.

كان تعليق الكثيرين ممن هم ليسو مؤيدين للاسلاميين بالضرورة: لابد أن يأخذوا فرصتهم الكاملة ، فيوضع دستورهم قيد الاختبار ويكمل رئيسهم مدته الرئاسية.

إن فرصة كل فريق في الانتخابات البرلمانية القادمة ستتوقف في جزء كبير منها على قدرة هذا الفريق على فهم احتياجات كتلة الاستقرار هذه ورغباتها لأن هذه الكتلة ستكون المرجحة بين الفريقين.


هذا وعلى الله قصد السبيل،

عبدالرحمن عبدالودود، مدينة الشيخ زايد، 24 ديسمبر، العام الثاني للثورة

الثلاثاء، 4 ديسمبر 2012

النسخة النهائية لمشروع الدستور: الدستور ونظام الحكم




هذه هي المدونة الثانية التي أكتبها حول مشروع الدستور المعروض للاستفتاء يوم 15 ديسمبر، بعد مدونتي الأولى التي تحدثت عن  الدستور والشريعة، والتي يمكن الاطلاع عليها عبر الرابط التالي


وسوف تركز هذه المدونة على ما كنت قد كتبت عنه من ملاحظات في باب نظام الحكم بالمسودة الأولى للمشروع والتي دونتها يوم 22 أكتوبر ويجب الاطلاع عليها عبر الرابط التالي


وسأعمل في ملاحظاتي على مقارنة الوضع في المسودة النهائية مقارنة به في المسودة الأولى على ن أفرد مدونة أخيرة لاحقاً إن كان في العمر بقية وطاقة للحديث عن ما لم أكن تعرضت له قبل ذلك إن وجدت حاجة للتعرض.

أولاً: شروط انتخاب رئيس الجمهورية

تم إصلاح ما كان في المسودة الأولى من عيب السماح لمزدوجي الجنسية بالترشح وذلك باشتراط المادة 134 في المسودة النهائية ألا يكون المرشح قد حمل جنسية دولة أخرى.
أما شروط الترشح السياسية فقد مضت في اتجاه التيسير بتخفيض عدد التوكيلات المطلوبة من المواطنين أو النواب للترشح ، ويمكن تفهم ذلك في إطار أنه قد تم إلغاء حق الأحزاب التي لها نائب واحد  فقط في المجلس أن ترشح أحد أعضائها.

ثانياً: بعض صلاحيات الرئيس

تم إصلاح المواد التي تم التعليق عليها وذلك أولاً بجعل رئيس الدولة هو المسئول عن تعيين الموظفين المدنيين والعسكريين مثل النظام السياسي الفرنسي وثانياً بخفض حصة الأعضاء المعينين من قبل رئيس الجمهورية بمجلس الشورى من الربع إلى العشر وهي نسبة مقبولة.

ثالثاً: مدد مجلسي البرلمان

لم يحدث تغيير في هذا الإطار واستمرت الاختلافات بين مدد رئيس الجمهورية ومجلس النواب ومجلس الشورى والمحليات وهو ما يعني أننا سنشهد الكثير من الحراك السياسي في العقد القادم



رابعاً: صلاحيات مجلس الشورى

لم يحدث تغيير هنا أيضاً ولم يتحقق طموحي في ربط المجلس بالرقابة على المحافظين وتعيينهم بعد أن تمت إحالة وضع المحافظين ككل إلى القانون بسبب هواجس و مخاوف أتفهمها وليس هنا المجال للتفصيل فيها. لكن وبشكل عام كان من الممكن التعامل بطريق أكثر إبداعاً مع مجلس الشورى وصلاحياته.

 خامساً: مواد الدفاع والأمن القومي

هنا سنتوقف بعض الوقت حيث أحد أكثر المواضيع حساسية وتعقيداً، حدثت في هذه المواد تعديلات محسنة وبقيت عيوب وفي ذلك تفصيل.

أولاً: سنبدأ بما لم يتغير وهو عسكرة وزارة الدفاع حيث ما يزال المشروع يلزم الرئيس بتعيين الوزير من ضباط القوات المسلحة وهو أمر وإن كنا نعترض عليه إلا أننا ندرك أن هذا سيكون الأمر الواقع في المستقبل المنظور لما أسلفنا من غياب القيادات السياسية المحترفة ولذا يمكن التعايش مع هذه المادة لحين تغييرها.

ثانياً: حدثت إضافة هامة باستحداث مجلس الأمن القومي بالمادة 193 وهو مجلس ذو أغلبية مدنية كاسحة وبصلاحيات أوسع من صلاحيات مجلس الدفاع الوطني. كما يتقاطع مع صلاحيات المجلس الثاني حيث نصت المادة على أن مجلس الأمن القومي (يختص بإقرار استراتيجيات تحقيق أمن البلاد) في حين أن مجلس الدفاع الوطني (يختص بالنظربالشئون الخاصة بوسائل تأمين البلاد وسلامتها). وهي عبارات فضفاضة كما ترون (وإن كنت أرى أن كلمة إقرار أقوى من كلمة النظر) وهذه السيولة في العبارات تتيح للمشرع القانوني (المدني بطبيعة الحال) أن يحدد بسلطة القانون مساحة وحدود كل مجلس بل يستطيع أن يجعل المجلس الأول مهيمناً على الثاني بالنص على ضرورة (إقرار) مجلس الأمن القومي لما (ينظر) فيه مجلس الدفاع الوطني وهو ما يحقق الهدف من هيمنة المدنيين المنتخبين على السلطة العسكرية.

ثالثاً: رغم أن تشكيل مجلس الدفاع الوطني لم يتغير فيه شيء إلا أن هناك تعديلين مهمين جداً جريا بشكل يقلص من وصاية النصف العسكري بالمجلس.

أول تعديل هو حذف الفقرة التي كانت تقول بأن المجلس يرفع موازنة القوات المسلحة رقماً واحداً إلى البرلمان. وهذا التعديل يعني ببساطة أن حق البرلمان في إقرار الموازنة بالشكل الذي يراه صار محفوظاً، بل إن البرلمان يستطيع أن يستخدم التعديل الأخر بأن يشترط حضور مجموعة مختارة من نوابه جلسات مناقشة الموازنة بمجلس الدفاع الوطني لكي يوافق على إقرارها.

التعديل الثاني هو النص على أن لرئيس الجمهورية أن يدعو من يرى لحضور الجلسات، فهو أولاً نص يمكن استخدامه في تطبيق رقابة برلمانية كاملة على الموازنة كما سبق أن وضحنا وهو أيضاً مانع لايجاد نوع من الكهنوت العسكري داخل صفوف الجيش بامكان استدعاء الرئيس من يثق فيهم من الخبراء خارج الخدمة أمثال اللواء عادل سليمان واللواء عباس مخيمر والعميد صفوت الزيات وغيرهم لمناقشة القادة داخل المجلس في رؤاهم العسكرية.

أيضاً فإن المناقشات التي قد حدثت داخل الجمعية قد منحتنا اقراراً علنياً من اللواء ممدوح شاهين ممثل القوات المسلحة بما كنا نعلمه مسبقاً أن المشروعات الاقتصادية لوزارة الدفاع مؤسسة وفق قانون الهيئات الاقتصادية وبالتالي تخضع للرقابة الكاملة من البرلمان والمركزي للمحاسبات. وأهمية هذا الإقرار أنه قد تم إثباته في المضابط التي ستعد حجة دستورية في تفسير الدستور بعد ذلك.

أخيراً فلا يزال الرئيس مقيداً في إرسال القوات المسلحة خارج البلاد بموافقة البرلمان وهو ما أبديت اعتراضي عليه مسبقاً ولم يتغير في هذه المادة شيء.
وأرى أنه في ضوء التغييرات المذكورة عاليه بمواد الدفاع والأمن القومي أنها صارت مقبولة إلى حد بعيد.

سادساً: التوازن بين الرئيس والبرلمان

أولاً: تشكيل الحكومة

يصدعنا الكثيرون ليل نهار عن الصلاحيات الأستبدادية الأسطورية لرئيس الجمهورية في هذا المشروع - و المفترض أنه مشروع لنظام مختلط  - رغم أننا صرنا في ظل النص الحالي للمادة 139 بصدد مشروع دستور برلماني تشكل فيه الحكومة أغلبية مجلس النواب!

كما تنص المادة 141 على أن يتولى رئيس الجمهورية سلطاته بواسطة رئيس الوزراء والوزراء. أي أن الرئيس بعد تشكيل الحكومة من قبل الأغلبية البرلمانية لن يتبقى له أي سلطات تقريباً سوى سلطاته في السياسة الخارجية وكقائد أعلى للقوات المسلحة!.

ولا شك أن هذا عظم من دور البرلمان في السلطة التنفيذية ، وفي المقابل فإن الرئيس أصبح أقوى في الاعتراض على السلطة التشريعية حيث عاد المشروع إلى نص دستور 71 الذي كان يقضي بوجوب تصويت البرلمان بأغلبية الثلثين على لإصدار القوانين التي اعترض عليها  الرئيس.

ثانياً:حل مجلس النواب

تم تصحيح العوار الذي كان بالمادة وتم الرجوع للنص الذي يقضي باستقالة رئيس الجمهورية من منصبه حال رفض الشعب لحل البرلمان في الاستفتاء العام. لأنه وكما وضحنا سلفاً لا يعقل أن يستمر رئيس خير الشعب بينه وبين البرلمان فاختار البرلمان

ثالثاً: محاكمة الرئيس

رغم حذف تهمة (انتهاك الدستور) المطاطة من التهم الممكن توجيهها للرئيس إلا أن يد البرلمان مازالت مطلقة في مواجهة الرئيس حال المواجهات السياسية. وإن كان المانع أمام البرلمان من سوء استغلال هذه المادة يعني أن براءة الرئيس من التهم الموجهة إليه ستؤدي حتماً لأن يحل مجلس النواب باستفتاء عام لن يجد صعوبة في الحصول على موافقة الشعب عليه.

أخيراً، فقد تم الاستجابة لأمنيتي في الأحكام الانتقالية باعادة تشكيل المحكمة الدستورية (وإن كان ذلك بغير الفلسفة التي تصورتها) أما إقالة النائب العام فقد فعلها الرئيس بإعلانه الدستوري قبل الأحكام الانتقالية.

هذا وعلى الله قصد السبيل،

عبدالرحمن عبدالودود، مدينة الشيخ زايد، الخامس من ديسمبر، العام الثاني للثورة

الأحد، 2 ديسمبر 2012

النسخة النهائية لمشروع الدستور: الدستور والشريعة






أما بعد حمد الله ، فلست مخفيا إحباطي الشديد وأنا أكتب تعليقي على المسودة الأخيرة للدستور التي خرجت من الجمعية التأسيسية حتى أنني كدت أن أتراجع عن كتابتها غير ذي مرة بعد أن كدت أن أفقد الأمل في أن يقرأ أحد شيئاً أو أن تتغير قناعة أحد بناء على ما قرأ، لذلك فأكتب اليوم براءة لذمتي أمام الله فقط ولست راجياً نتيجة من وراء ما أكتب.

سأبدأ الحديث بالموضوع الأهم والأعلى قدراً عندي في مواد الدستور والمتعلق بمكانة الشريعة منها وعلاقتها بنصوصه المختلفة

وكانت كلمات محمد شرف الدين عن الموضوع قد أثارت شجوني وأحزاني واستدعت عاطفتي لرفض الحل الوسط الحالي  لكنني اضطررت أن أجاهد نفسي لكي أطرح الموضوع في إطاره العقلي المبني على الواقع.

ويمكن الإطلاع على كلماته تلك عبر الرابط التالي

وسأبدأ حديثي أولاً بنقل جزء مما اقتبسه شرف من الدكتور إياد القتيبي

"
لو أن العرب والعجم والإنس والجن والأبيض والأصفر والأسود والأسمر وأصحاب المؤلفات والإجازات والأسانيد والمشهود لهم بالصلاح والتقوى والعلم والزهد والإخلاص، لو أن هؤلاء جميعا أقروا هذا الدستور من باب (أخف الضررين) أو (المصالح والمفاسد) أو (التوافق ودرء الفتنة) أو (السياسة الشرعية) أو (الحكمة في التعامل مع الواقع) لقلنا بعد ذلك:
هذا الدستور فيه مواد لا توافق الشريعة، ولا تستلهم فلسفتها ونظامها بالكامل، وذلك لا يجعله من الأصل يقال عنه أنه دستور "يقيم شرع الله" أو يمثل "حقيقة الشريعة" . ويجب البراءة منه، وهي مسألة قطعية لا تقبل الخلاف. وليقل من شاء بعد ذلك ما شاء. ولن يكون كلام أي احد من العلماء جميعا إجماعا حجة على الإسلام، فالحق أحق أن يتبع، فالدستور لا يقيم الشرع كما أنزله الله بل هو ملئ بالشركيات وما يخالف شرع الله ضمنيا أو صراحة. (الكلام مقتبس بتصرف وتعديلات خاصة من الدكتور اياد القتيبي( " انتهى النقل.

الموقف الذي يتبناه شرف تتبناه العديد من تجمعات الإسلاميين الذين نثق في إخلاصهم ولا نزكيهم على الله، أذكر منها حركة أحرار وشباب حازمون والجبهة السلفية والتيار الإسلامي العام.

أول ما يجب أن نبتدئ به هو الإقرار بصحة هذا الواقع فلا يجب لنا أبداً أن ندلس على الناس في عقيدتهم بما يجعلنا شركاء في تضليلهم عن نقاء التوحيد وصفاء العقيدة. ولابد لنا ولكل مسلم واع بعقيدته وشريعته من الاعتراف بأن مسودة المشروع النهائية لا ترقى أبداً إلى ما نرتضيه من هيمنة تامة لشريعة ربنا وحكمه على الدستور كاملاًً بداية من فلسفته مروراً بنصوص مواده التي وجب أن تنبع كلها من شريعة الإسلام مبادئها وأحكامها ومقاصدها.

ويجب أن نقر بأن السياسيين الإسلاميين في سبيل مساعيهم لتجنب الصدام والتوافق مع القوى العلمانية ومن ورائها العسكر وقضاتهم وإعلامهم لتمرير المرحلة الانتقالية بأقل الخسائر تنازلوا بشكل كبير في أمر الشريعة، وقد بدأ ذلك أولاً منذ تشكيل الجمعية.

لكننا يجب أيضاً أن نقر بأننا لسنا ممن يبتغ الفتنة ويخالف الدستور والقانون، فالدساتير والقوانين السابقة كانت كلها أسوأ من المشروع الحالي فيما خص الشريعة ولم يمنعنا هذا أن نتعايش معها واقعاً وإن أنكرناها بقلوبنا وألسنتنا ما استطعنا.

إن الطرح الذي يقدمه إخواننا، وإن كان حقاً، إلا أنه مغترب عن الواقع ، وهو يليق بنا إن كنا نكتب دستورنا في نفس الوقت الذي كتب فيه الأمريكيون دستورهم، حين كانت البلاد حرة من الاحتلال وحين كنا سنكتب في فراغ معتمدين على عقيدتنا وشريعتنا فقط دون أن يكون هناك (تراث دستوري) مبني على تاريخ من الصراع وموازين القوة المادية.

نحن اليوم لا نكتب دستورنا ونحن على رقعة شطرنج لم تبدأ عليها اللعبة بعد، ولكننا على رقعة جرى ترتيبها منذ زمن ، وقد خسرنا فيها الكثير والكثير من القطع، بل لا أبالغ حين أقول أن الجيل الحالي دخل إلى اللعبة بينما الفريق الإسلامي تحت ضغط رهيب و يقال له (كش ملك)

ذلك أن إخواننا كلهم يعلمون تماماً أننا منذ دخلت خيول نابليون الأزهر وحتى اليوم تحت الاحتلال. بل تحت الاحتلالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية والفكرية. وقد تمكن الاحتلال (الجاهليُ  بطبعه) منا حتى صار بين أظهرنا وفي شوارعنا وبيوتنا بل وقلوبنا، لا أستثني من ذلك أحداً ولا نفسي إلا من رحمه الله واصطفاه.

وهذا الاحتلال قد تمكن منا ومن بلادنا إلى درجة جعلت معاركنا التي نخوضها لنيل حريتنا من احتلالنا وخضوع رقابنا للناس بأن نخضعها لرب الناس تدور مع إخوتنا وأهلينا وبني جلدتنا بل وأنفسنا.

وارى أن تشكيل الجمعية التأسيسية الأخير كان المعبر الأصدق عن الوضع الحالي لموازين القوة بيننا وبين الاحتلال، التعادل، ذلك بأنه ورغم أن تشكيل الجمعية الأولى (رغم ملاحظاتي عليه) كان هو الأقرب إلى رسم خريطة التفضيلات الشعبية إلا أنه لم يكن المعبر الأصدق عن موازين القوة. فقوى الاحتلال العلماني للبلاد وإن كانت هي الأقلية شعبياً إلا أن امتلاكها للشوكة المالية والإعلامية والقضائية والأمنية والعسكرية جعلها في وضع متوازن تقريباً مع القوى الإسلامية التي تحظى بالأغلبية الشعبية. لذلك لم يكن أبداً مستغرباً أن يكون ممثلي مؤسسات الدولة الحكومية والأمنية والقضائية والعسكرية بل وحتى الدينية جزئاً من النصف المحسوب على القوى العلمانية (يجب أن نتوقف عن الانسياق وراء المصطلحات الإعلامية ونسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية، هم علمانيون وليسوا مدنيون).

إذن، في ضوء موقع الشريعة الباهت والمهتز بهذا الدستور، وفي ضوء المواد 2 و 4 و219 ، ما هو الحكم على هذا المشروع فيما خص الشريعة؟

الإجابة: هو ليس ما نطمح إليه ولكنه خطوة إلى الأمام. تتناسب مع ظروف الواقع ومع ما يعلمه كل منا من ضرورة أن يكون العمل على إعادة المجتمع إلى الشريعة تدريجياً حتى تطمئن لها قلوب الناس وعقولهم وجوارحهم وأعمالهم.

كيف ذلك؟ يجب أن نتذكر الوضع الدستوري للشريعة وقت قيام الثورة وعقبها جيداً، كانت المادة الثانية بصياغتها الحالية التي لم تتغير مادة ديكورية تماماً،  ليس هذا فحسب بل إن التحرش بها والرغبة في إنهائها كان هدفاً واضحاً للنخبة العلمانية، ما بين تصريح عمرو حمزاوي بأنها مادة تمييزية ، وانتقاد محمد البرادعي واستنكاره أن يكون للدولة دين، وصولاً إلى الطلب الرسمي من أسامة الغزالي حرب من المجلس العسكري يوم 19 فبراير عقب التنحي وبصفته رئيساً لحزب الجبهة الديمقراطية آنذاك إلغاء المادة الثانية وهو ما فتح الباب الأول للمواجهة الإسلامية-العلمانية.

ثم لما كان رد الفعل القوي من الإسلاميين ، تم تغيير الاستراتيجية لاعتبار المادة الثانية خارج الخلاف وأنها محل إجماع وطني وفي نفس الوقت التركيز بنعومة على لفظة "مبادئ الشريعة" وتفسيرها بما هو مؤداه أنها المبادئ المجمع عليها من الإنسانية كلها, حتى تظن أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو القرآن وأن منظمة العفو الدولية هي هيئة كبار العلماء وأن الإنسان بعد الموت سيحاسب أمام مجلس الأمن عن عمله بالقانون الدولي وليس أمام الله عن عمله بالقرآن والسنة!

والحقيقة أن الأمر لا علاقة له بالألفاظ نفسها بقدر علاقته بالأدبيات والمفاهيم والممارسات التي ارتبطت بها سياسياً. فأنا ممن هم مقتنعون برأي المستشار طارق البشري أن مجرد النص على أن "الإسلام دين الدولة" كفيل بجعل كل تشريعاتها وأنظمتها نابعة من شريعة الإسلام لكن كيف يكون ذلك ولم يطبق ذلك فعلياً في تاريخنا الدستوري بل وهناك من قومنا من يصرون على تحجيم مواد الشريعة وإفراغها من مضمونها؟

وتم ترسيخ هذه المفاهيم بقوة حتى أنني أذكر أن تعليق أحد شباب حزب الدستور على إضافة المادة المفسرة للمبادئ في الدستور (كده بقت الشريعة كلها) كأنه يعلم تماماً الهدف من التركيز على لفظة "مبادئ"  كما تم محاربة وجود أي مؤسسة دستورية مرتبطة بالشريعة بحيث تكون الإحالة في تفسير المبادئ لمؤسسات علمانية تماماً كالمحكمة الدستورية والتي لدى قضاتها أدبيات مكتوبة فعلاً تفرغ المادة من مضمونها تماماً.

الذي حدث في المشروع المطروح ببساطة هو إفشال الاستراتيجية المتبناه بالتأكيد على إحالة المبادئ إلى أصولها الشرعية والفقهية الإسلامية أولاً وبوضع دستوري يؤكد على أن الأزهر (كهيئة علمية فقهية بتراث من العلم الشرعي الإسلامي) هو المنوط به تفسير الشريعة وإبداء الرأي فيها وليس أية مؤسسات أخرى مبنية على فلسفة وثقافة القانون الوضعي الفرانكوفوني.

وهذا يعني أن المعارك القادمة من أجل تمكين الشريعة في المجتمع يجب أن تقوم في ساحة الشريعة بأدواتها وأسلحتها الفقهية والأصولية وليس في ساحات القوانين الدولية والفرانكوفونية التي أرادت قوى الاحتلال العلماني أن تفرض علينا خوضها بها.

ومن المؤكد أن كل إسلامي يدرك أن معركة المحكمة الدستورية القادمة في سبيل التمكين للشريعة ستكون مفصلية من أجل إزالة العقبات المؤسسية التي تعرقل أي تقدم في هذا الإطار.

لكن سيظل التحدي الأكبر والأهم والأصعب خلال السنوات القادمة هو تحدي القلوب والعقول والجوارح التي ضللت حتى صارت معادية للشريعة و جزءاً من مشاريع مناوئة لتمكينها في المجتمع, فبهؤلاء يقوم الدين وتعلو رايته.

اللهم اهدنا واهد أهلنا وقومنا إلى دينك الحق وارفع بنا رايته وأتمم علينا نعمتك بفضل شريعتك.

هذا وعلى الله قصد السبيل،

عبدالرحمن عبدالودود، مدينة الشيخ زايد، 3 ديسمبر، العام الثاني للثورة


الأحد، 21 أكتوبر 2012

ملاحظات العبد الفقير إلى الله على باب نظام الحكم في المسودة الأولى لمشروع الدستور المصري




أكتب ملاحظاتي على مسودة مشروع الدستور المنشورة حتى الآن من الجمعية التأسيسية التي أصبحت معارضتها هواية المتردية والنطيحة فضلا عن الرويبضه ممن لم يقدموا إلينا اعتراضاً واحداً متماسكاً على تفاصيل المواد بالمسودة غير اعتراضاتهم الدائمة عند كل موضع يذكر فيه اسم الله أو تذكر شريعته.

وهو أمر يجعل انتقاد المنتج الخارج من الجمعية صعب حقاً، لأنني أجد صعوبة جمة في الاصطفاف بجوار قوم لا يريدون لها سوى الهدم والفشل ويحاربون وجودها بالاساس من حيث طريقة التكوين التي اختارها الشعب والتي قدم فيها خصومهم عليهم. ولذلك يستطيع أي متابع مدقق أن يرى أن أكثر ما يخشاه هؤلاء هو أن تنتج هذه الجمعية منتجاً دستورياً محكماً وليس العكس.

ولن أتطرق في ملاحظاتي لأي مما يتعلق بالشريعة في الدستور لأن موقفي منها واضح تماماً. يجب أن يتحاكم الدستور كله بكل نصوصه ومواده، حقوقه وحرياته وأنظمته إلى شريعة الله تامة غير منقوصة، مبادئها ومقاصدها وأحكامها كما أنزلها ربنا في القرآن والسنة. والمراء في ذلك يقف عنده الحد الفاصل بين الإسلام والكفر، بين الإيمان والنفاق, بين التوحيد والشرك.

إنما سأحاول أن أجاري صديقي تامر زايد في دفعه أن الصراع سياسي وليس دينياً  فأركز ملاحظاتي على الباب المعني بالسياسة في الدستور والذي سيؤسس لشكل النظام السياسي في المستقبل.

وسأعنون ملاحظاتي في نقاط محددة وهي: شروط انتخاب الرئيس، بعض صلاحيات الرئيس، مدد مجلسي البرلمان، صلاحيات مجلس الشيوخ , مواد الأمن والدفاع, و التوازن بين الرئيس والبرلمان مع ما يمنع الشلل السياسي

وقبل أن ألج إلى الموضوع لا بد لي أولا أن أعلق على الشكل المرتبك والغير المتماسك الذي بدى عليه مشروع الدستور في المسودة والذي يوحي أن لجان الجمعية التأسيسية تعمل كجزر منعزلة عن بعضها البعض حتى أن بعض المواد تشير في نصوصها لأرقام مواد داخل الأبواب عوضاً عن ترقيمها العام في الدستور.

وغني عن  الذكر طبعاً أن على من يقرأ هذه المدونة أن يكون قد قرأ مسودة مشروع الدستور قبلاً أو على الأقل يحتفظ بها ليرجع لأصول المواد

أولاً: شروط انتخاب رئيس الجمهورية

عدلت الجمعية شروط الترشح لرئاسة الجمهورية (المواد 136 و 137) لتخففها في جانبين أرى في أحدهما خطراً وفي الآخر تيسير لا داعي له.

أما الخطر: فهو التنازل عن اشتراط أن لا يكون رئيس الجمهورية قد حمل جنسية غير الجنسية المصرية! فأنا لا أستطيع أبداً قبول أن يكون الرجل الذي يعين الموظفين العسكريين والديبلوماسيين وأجهزة المخابرات ويقودهم لحماية المصالح والأراضي المصرية يمكن أن يكون قد أقسم يمين الولاء لدولة أجنبية!

وقد كانت هناك قناعة لدى قطاع من الناس (لست منه) أن اشتراطات نقاء جنسية الرئيس في تعديلات مارس 2011 كانت متشددة ومبالغ فيها خاصة ما يتعلق منها بنقاء جنسية الوالدين, وهو أمر قد أتفهم أن يتم اعتباره وازالته في مشروع الدستور الجديد دون أن يتعدى ذلك إلى نقاء جنسية الرئيس نفسه.

أما التيسير الذي بلا داع فهو التساهل في شروط الترشح لرئاسة الجمهورية من حيث أعداد التوكيلات المطلوبة من النواب أو المواطنين وعدد المحافظات المطلوب استيفاء التوكيلات منها.

وسبب أنه بلا داع أن التجربة العملية أثبتت أن أي مرشح جاد يسعى للترشح لم يجد صعوبة في تحقيق الشروط السابقة (كل المرشحين السبعة الأوائل في نتيجة الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة الماضية ، عدى مرسي الذي كان مرشحا حزبياً نجحوا في استيفاء توكيلاتهم كمسوغ للترشح) بل ان مرشحين غير جادين مثل (محمود حسام) نجحوا في الترشح أيضاً. بالاضافة لثلاثة مرشحين آخرين على الأقل نجحوا في استيفاء شروط التوكيلات واستبعدوا لأسباب أخرى قبل التصويت.

ثانياً: بعض صلاحيات الرئيس

بدى واضحا أن الفلسفة التي يقوم عليها هذا المشروع تقوم على أن يختص رئيس الجمهورية بشؤون الدفاع والأمن القومي والسياسة الخارجية فيما يحظى رئيس الوزراء بباقي صلاحيات ادارة الدولة.

وتحصر المادة 149 صلاحيات الرئيس في التعيين والعزل في تعيين الموظفين العسكريين والممثلين الديبلوماسيين دون الموظفين المدنيين الذي نصت المادة 164 على اختصاص رئيس الوزراء بتعيينهم.
ويثير هذا لدي بعض من التساؤلات، هل يعني ذلك أن قرارات تعيين أعضاء الهيئات القضائية ستصدر من رئيس الحكومة عوضاً عن رئيس الجمهورية؟!

وهل سيختص رئيس الوزراء بشؤون الأمن الداخلي للبلاد دوناً عن الرئيس نظراً لأن الدستور ينص على أن الشرطة هيئة مدنية؟!
وماذا عن موقف أجهزة مثل المخابرات العامة يفترض أن أفرادها مدنيون في حين يقع نطاق عملها في صلب الدفاع والسياسة الخارجية؟ هل سيعين أفرادها أيضاً رئيس الحكومة؟

ومن ناحية أخرى أرى أن إعطاء الرئيس حق تعيين ربع أعضاء مجلس الشيوخ من شأنه أن يغير تركيبة المجلس السياسية وفيه خطر كبير خاصة مع الاتجاه لتوسيع صلاحيات هذه الغرفة من البرلمان وأرى (إن كان للتعيين ضرورة) أن لا يزيد عدد المعينين في المجلس بأي حال عن 25 عضواً معيناً. وكلما قل العدد كلما كان ذلك أفضل

ثالثاً: مدد مجلسي البرلمان

ينص مشروع الدستور على أن مدة رئيس الجمهورية أربعة سنوات ومدة مجلس النواب خمس سنوات ومدة مجلس الشيوخ ست سنوات ويجدد الأخير نصفيا كل ثلاث سنوات في حين تبلغ مدة المجالس المحلية أربعة سنوات!
وهو تصميم يكاد يكون وصفة سحرية لعدم الاستقرار السياسي واهدار الأموال حيث سيؤدي لاجراء انتخابات عامة كل سنة تقريباً مما سيؤثر بالضرورة على استقرار الحكومة واستقرار الاقتصاد.

ولكي نتصور نتيجة هذا التصميم فانه بافتراض أن انتخابات مجلسي البرلمان الجديد ستجرى بعد اقرار الدستور أخر 2012 والمحليات في 2013 فسيكون لدينا تجديد نصفي لمجلس الشيوخ عام 2015 ثم انتخابات رئاسة في 2016 ثم مجلس النواب والمحليات 2017 وتجديد نصفي أخر للشيوخ 2018 هذا إن لم يحل أي من هذه المجالس في منتصف المدة. أي أننا وعبر السنوات السبع القادمة سنحظى فقط بعام 2014 هادئا دون انتخابات. وكثرة الاستحقاقات السياسية المتعاقبة ستؤدي لحالة من عدم الاستقرار المجتمعي الشديد خاصة في مناخ الاستقطاب الحادث حالياً.

وفي الديمقراطيات العريقة يتم إجراء انتخابات البرلمانية والرئاسية بشكل متواز كما في أمريكا أو في نفس العام كما حدث في فرنسا هذا العام. ثم يعقب ذلك فترة من الاستقرار السياسي يسمح للمؤسسات المنتخبة خلالها بالعمل من أجل تحقيق برامجها وأهدافها قبل محاسبتها سياسياً

لذلك أرى أن يتم توحيد المدد الانتخابية للرئيس ومجلسي النواب والشيوخ ومجالس المحليات على 4 أو 5 سنوات (أرى أن مدة الخمس سنوات أنسب لظروفنا الحالية) بحيث تجرى الانتخابات الرئاسية في النصف الأول من العام ثم يعقبها انتخابات برلمانية (للمجلسين) في النصف الثاني من نفس العام ثم يعقبها انتخابات محلية عامة في النصف الأول من العام اللذي يليه بحيث يصبح لدى الشعب فرصة تجديد تركيبة النظام السياسي بأكمله خلال 18 شهر ثم ينعم بنحو 4 سنوات من الاستقرار السياسي الذي يسمح للمؤسسات المنتخبة بالعمل الجاد قبل الحساب.

رابعاً: صلاحيات مجلس الشيوخ

بدون مقدمات كثيرة استمرار مجلس الشيوخ يجب أن يكون ذا جدوى وبالتالي يجب أن يكون لديه من الصلاحيات ما يبرر هذا الاستمرار، ومع أن مسودة الدستور اعطت للمجلس صلاحيات تشريعية وأعطته أيضاً حق الموافقة أو الرفض على تعيينات الرئيس للأجهزة الرقابية فإنني أرى أن المجلس يجب أن يشارك في الرقابة على تعيين المحافظين وعزلهم (وهو الأمر الذي لم ينظمه المشروع بعد للأسف) فيجب أن يشترط موافقة أغلبية أعضاء مجلس الشيوخ على تعيينات الرئيس للمحافظين وأيضاً يجب أن ينص على حق المجلس في تقديم الاستجوابات للمحافظين وسحب الثقة من أي منهم عند الاقتضاء.

خامساً: مواد الدفاع والأمن القومي

يجب أن نفهم أولاً أن الوضع الذي تم تكريسه للمؤسسة العسكرية داخل مشروع الدستور هو الأمر الواقع الحالي. وهو وضع في الأغلب لن يتغير في الواقع في السنوات القليلة القادمة لكن اعتراضي هاهنا سينصب أساساً على منح واقع عارض تفرضه طبيعة المرحلة شرعية دستورية دائمة.

أولاً: مجلس الدفاع الوطني

من حيث المبدأ، أرى أن النص في الدستور على وجود مجلس للدفاع الوطني وتحديد اختصاصاته بل وتشكيله تزيد يجعل للمجلس وضعاً دستورياً محصناً لا داعي له. إذ يكفي أن يصدر قانون بانشاء المجلس وتحديد تشكيله وصلاحياته حتى يسهل تغيير التشكيل والصلاحيات من قبل السلطة التشريعية وفق الحاجة دون احتياج لتعديل الدستور.

ويعد شكل مجلس الدفاع الوطني المطروح تطويراً لما كان قد تم طرحه قبل ذلك في وثيقة المبادئ الشهيرة بوثيقة السلمي والإعلان الدستوري المكمل الصادر عن المجلس العسكري. وحدث هذا التطوير في اتجاهين أولاً بزيادة نسبة المدنيين في المجلس لاحداث توازن بين المدنيين والعسكريين داخل المجلس (وإن كنت ما زلت أراه مختلاً). وثانياً بجعل رأيه استشارياً في أمر اعلان الحرب بدلاً من جعله وصياً على الرئيس والبرلمان في مشروع السلمي.

إلا أن نقل اختصاص مناقشة تفاصيل الموازنة العسكرية للمجلس دوناً عن البرلمان يظل تغولاً رهيباً لمؤسسة يفترض أن تكون فرعاً من السلطة التنفيذية على سلطة هي في الأصل حق خالص للسلطة التشريعية.

وحل حاجة القوات المسلحة للسرية في مناقشة ميزانيتها لا يكون بنقل سلطة مناقشة هذه الميزانية والرقابة عليها خارج البرلمان. لكن الحل الأكثر ملائمة يكون في تشكيل لجنة برلمانية مصغرة (بمعايير أمنية صارمة) من عشرة أعضاء نصفهم من أعضاء لجنة الدفاع والأمن القومي والنصف الأخر من أعضاء لجنة الخطة والموازنة لتكون مختصةً بمناقشة تفاصيل موازنة القوات المسلحة (وموازنة المخابرات) مع الرئاسة و الحكومة والقيادات العسكرية ثم رفعها رقماً واحداً إلى البرلمان.

ثانياً: عسكرة وزارة الدفاع

غني تماماً عن الذكر أن منصب الوزير (أي وزير) هو في الأصل منصب سياسي مدني تماماً ، والمناصب السياسية يتولاها السياسيون لا الفنيون.

أدرك أن واقعنا الحالي ما زال بعيداً عن هذا المبدأ, وذلك في جميع الوزارات وليس في وزارة الدفاع فقط، وهو أمر مرده في الأساس للفقر العام في الكوادر السياسية، إلا أن منح هذا الوضع (تخصيصاً للمؤسسة العسكرية) حصانة دستورية فيه تجاوز لشرعية الانتخاب الشعبي وفرض لقبلية فئوية على رئيس الدولة. فضلاً عن أنه يفرض تداخلاً بين المؤسسة العسكرية والعمل السياسي مما سيؤدي إلى فساد كليهما. فساد السياسة بتدخل العسكر فيها وفساد الجيش بتسييس قياداته.

لذلك أرفض تماماً نص المادة 198 الذي يلزم الرئيس دستورياً بتعيين وزير الدفاع من بين العسكريين (حتى إن كان هذا هو الواقع الحاضر وفي المستقبل المنظور) وأرى إن كان لذلك ضرورة سياسية حالية أن يحال هذا إلى القانون.

ثالثاً: سلطة الرئيس العسكرية

يقيد المشروع سلطة رئيس الجمهورية في إعلان الحرب أو إرسال قوات مسلحة إلى خارج البلاد بموافقة مجلس النواب المسبقة وهو أمر إن كان مطلوباً في شأن إعلان الحرب إلا أنه تزيد في شأن إرسال القوات المسلحة خارج البلاد.
ذلك أن طبيعة التهديدات العسكرية أو الإرهابية التي قد تستدعي إرسال قوات مسلحة للخارج لمواجهتها أو إجهاضها بضربات استباقية تتطلب لمجابهتها كل من سرعة اتخاذ القرار وسرية العمليات وبالتالي فإن اشتراط الموافقة (المسبقة) للبرلمان على ارسال القوات للخارج سيكون مكبلاً للرئيس وقيادة الجيش في اداء دورهم الدفاعي عن الوطن
لذا أرى أن يمنح الدستور الرئيس حق اتخاذ ما يراه من إجراءات عسكرية للدفاع عن البلاد (بما في ذلك ارسال قوات للخارج) على أن يعرض ما اتخذه من اجراءات على البرلمان في غضون سبعة أيام على أقصى تقدير كما تتطلبه اجراءات اعلان حالة الطوارئ.

سادساً: التوازن بين الرئيس والبرلمان

كل ما كان معلناً من قبل جميع القوى السياسية المشاركة في الجمعية التأسيسية يقول أننا بصدد تصميم نظام دستوري رئاسي-برلماني مشترك، وهو ما يتطلب توازناً دقيقاً في القوة بين الطرفين يقتضي تعاونهما في تشكيل الحكومة وتبادلهما للرقابة على بعضهما البعض مع تجنب أن يؤدي ذلك إلى الشلل السياسي.

وغني عن الذكر أن أهمية المواد المنظمة للتوازن الرئاسي البرلماني تبرز في حالة أن الحزب الذي جاء منه الرئيس لم يكن صاحب الأغلبية البرلمانية وهي الحالة التي أرى أنها ستكون الغالبة في المستقبل المنظور ذلك أنني مقتنع أنه لا يوجد حزب حالي يستطيع أن يؤمن أغلبية برلمانية متفرداً لسنوات قادمة.

أولاً: تشكيل الحكومة

تنظم المادة 145 تشكيل الحكومة من قبل الرئيس وعرضها على البرلمان لنيل الموافقة على برنامجها, وتقضي بأن يعرض الرئيس الحكومة على البرلمان لنيل ثقته ثلاث مرات متتالية فإن رفضها البرلمان ثلاثاً حل الرئيس البرلمان! وخطورة نص هذه المادة يكمن في أمرين

أولهما: أن المادة تضع سلطة تشكيل الحكومة عملياً في يد الرئيس منفرداً، ذلك أنه ليس مجبراً على التنازل والموائمة بأي شكل مع البرلمان في تشكيل الحكومة لأن المادة في النهاية تضع البرلمان بين خياري قبول تشكيل وبرنامج حكومة الرئيس أو الحل!

ثانيهما: أن المادة قد يتم اساءة استخدامها كتكئة من قبل رئيس الجمهورية لحل البرلمان خصوصاً أن نص المادة لا يوضح ما إذا كان حل الرئيس للبرلمان في هذه الحالة سيكون ملتزماً بالضوابط والاجراءات المبينة في المادة 129!

ثانياً: حل البرلمان

لا شك أن المادة 129 تعد تقدماً في مجال تقييد صلاحيات رئيس الجمهورية على البرلمان في أنها قيدت حق الرئيس في حل البرلمان باجراء استفتاء للشعب أولاُ ليقبل أو يرفض حل المجلس.

لكنني فوجئت في المسودة المنشورة بحذف ما كان قد نشر سابقاً من وجوب استقالة رئيس الجمهورية حال رفض الشعب حل البرلمان، وهو قيد أراه ضرورياً. فهو اجراء يضمن أولاً عدم اساءة استخدام حق الدعوة للاستفتاء من قبل الرئيس. ثم إنه يعالج صداماً سياسياً هائلاً من المؤكد أنه سيحدث بين البرلمان والرئيس الذي كان يحاول حله!

ثالثاً: محاكمة الرئيس

كما أن حق الرئيس في حل البرلمان يجب أن يكون مقيداً بالاستفتاء الذي لو تم رفضه وجبت استقالة الرئيس. فإنه من البديهي أن حق محاكمة البرلمان لرئيس الجمهورية الذي تنظمه المادة 159 من المشروع يجب أن يكون مقيداً بضوابط موضوعية معينة، كأن يشترط أخذ موافقة جهة الادعاء في المحكمة المنصوص عليها في المادة (وهي هنا النائب العام) على قرار الاتهام مسبقاً. كما لابد من النص على اعتبار البرلمان منحلاً تلقائياً حال قضت المحكمة ببرائة رئيس الجمهورية مما نسب إليه من تهم. فلا يعقل أن يعمل رئيس مع برلمان بعدما اتهمه بالخيانة العظمى أو انتهاك الدستور!

ولأن الضمانات السابقة قد تؤدي إلى حالة من المواجهة السياسية التي قد تفضي إلى الشلل فأرى أن الحل ببساطة يكمن في وضع الرئيس والبرلمان بين مطرقة الوقت وسندان الرقابة الشعبية وذلك بنصوص دستورية تضمن الترتيبات التالية:

عند حدوث أي من الأتي (استلام الرئيس الجديد لمهام منصبه في بداية مدته الرئاسية – انعقاد أول جلسة للبرلمان – إقالة الرئيس للحكومة – سحب البرلمان الثقة من الحكومة – استقالة رئيس الحكومة أو أغلبية أعضائها) وجب على رئيس الجمهورية تكليف رئيس للوزراء ليشكل حكومة تحظى بثقة البرلمان في موعد أقصاه 45 يوماً.

وفي حالة فشل الرئيس والبرلمان في التعاون على تشكيل الحكومة خلال المدة المحددة تنظم المفوضية العليا للانتخابات وجوبياً استفتاءً عاماً خلال 21 يوم من انتهاء المدة ليختار فيه الشعب إقالة الرئيس أو حل البرلمان.

وفي حالة وجود ظروف قهرية أو طارئة أو مصاعب تعوق تشكيل الحكومة على غير إرادة سياسية من الرئيس أو البرلمان يحق للرئيس أو مجلس النواب أن يتقدم بالتماس للمحكمة الدستورية مسبب بطبيعة هذه الظروف لمد المدة المقررة للتشكيل. على أن يقدم الاتماس قبل نهاية المدة وتقضي في خلال 15 يوم من تقديم الالتماس بقبوله أو عدم قبوله. وفي حالة قبول الاتماس تمدد المدة المتاحة لتشكيل الحكومة 45 يوماً أخرى وإلا يتم إجراء الاستفتاء.

هذه أهم الملاحظات (التي أراها مركزية) على باب نظام الحكم في مسودة مشروع الدستور الجديد والمقترحات التي أراها .

بقي أن أقول أن تفعيل الدستور الجديد لإعادة بناء النظام السياسي يتطلب أن تحتوي الأحكام الانتقالية على مواد تضمن إعادة تشكيل وهيكلة مؤسسات الدولة وعلى رأسها السلطة القضائية (وخصوصاً النائب العام والمحكمة الدستورية) بمعايير وأشخاص جديدة مبنية على الولاء للثورة ودستورها

هذا، وعلى الله قصد السبيل.
عبدالرحمن عبدالودود، مدينة الشيخ زايد, 22 أكتوبر، العام الثاني للثورة